الطيف الإسلامي في العالم بأسره محل جدل دائم وموضوع خصب وثري ظل يشغل الكتاب والصحفيين بمستويات متفاوتة ، وليس واقعنا الإسلامي في موريتانيا بمنأى عن ذلك الصخب المتزايد حول هذه الظاهرة التي باتت تمتد من جاكرتا شرقا حتى القوارب (روصو) غربا. إن واقع هذا الطيف الواسع من الأفكار والمفاهيم الممتد عبر التاريخ يوحي بأهمية بالغة بالنسبة للشعوب المستهدفة من طرفه، وربما بأضعاف ذلك من الاهتمام بالنسبة للعالم الآخر الذي لا يزال يعقد مقارنات ذهنية بين واقعه وتاريخه، ولا زالت بعض التنظيمات المعاصرة أيضا تمده بمصداقية متزايدة تشي حينا بعد آخر بأهدافها الطموحة وواقعها المضطرب .
وفي ساحتنا الوطنية يعود الاهتمام بهذا الطيف لأمور عدة منها أنه طيف واسع الانتشار رغم التناقض الحاصل في خطاباته إلى حد التضارب ؛ فهو يحتوي على الطيف التقليدي من مشايخ وطرق صوفية، ويضم كذلك الخطاب المتجدد عبر أحزاب وتيارات تتلون اتجاهاتها وعناوينها بدءا من أقصى اليمين السياسي وانتهاء بأقصى اليسار المتطرف، وإن ظل الكل ضمن الأطروحة نفسها وفي دائرة الاهتمامات ذاتها ، لهذا سنجد أنفسنا ونحن في مستهل الحديث عن هذه الظاهرة أمام تشعبات وألوان من الخطاب المتموج غاية في الخلط والتلبيس ، وبناء على ذلك سنحاول أن نقصر الحديث قدر المستطاع على الطيف الحركي ممثلا في التيار الإخواني لأسباب من أهمها حضوره السياسي والاجتماعي مؤخرا ولكونه بات يعرف بهذا العنوان أثناء معارك سياسية وانتخابية ماضية تنكبتها كل الأطياف الإسلامية الأخرى .
ترى ما هي إمكانات الإسلاميين الحركيين في موريتانيا في الوصول إلى السلطة ؟ وما نوع الممارسة السياسية لو قدر لهم أن يصلوا إلى سدة الحكم ؟ وما هي الردود المتوقعة للشارع الموريتاني تجاه ذلك ؟
لقد حصل تطور خطير في ساحة العمل الإسلامي مطلع التسعينات تغيرت إثره خارطة العقل الإسلامي وتبدلت اهتماماته، واتجه إثر ذلك صوب السياسة بِنَهمٍ مفرط انتقده الإسلاميون أنفسُهم وحاول البعض منهم أن يَحدّ من حدة اندفاعه أو يعمل على بطء وتيرته ،لكن الحماس المتزايد في أوساط الشبيبة، واتّقاد جذوة الطموح السياسي للمشايخ، وتعطشهم نحو السلطة، تغلب على ذلك كله .
ومع الصراع الذي احتد في نهاية التسعينات مع النظام البائد الذي أعطى زخما للحركة وأمدها بمساحة من الاهتمام لم تكن تحلم بها ذات يوم ، حيث اعتبر كثير من القادة في الحركة أن ذلك الصراع ما هو إلا " منحة جاءت في طي محنة " إذ لم يكونوا على استعداد لخوض ذلك الصراع يوم أن انطلق، بل لقد تعالت أصوات داخل الحركة آنذاك لطي تلك الصفحات باعتبارها جاءت قبل أوانها ، إلا أن ضعف النظام وتآكله جعل الحركة تظهر بمستويات لم تكن تتوقعها ، واستثمرتها بعد ذلك كثيرا في ساحة الفعل والممارسة ليس على المستوى الوطني فحسب، بل كذلك على المستوى الإسلامي والعالمي أيضا ..
ومع ذلك فلقد برهنت الانتخابات الأولى في عهد ما بعد ولد الطايع والثانية إبان حركة التغيير والإصلاح في العهد الحالي على أن المكتسبات التي كانت تعول عليها الحركة لم تكن بالقدر الذي كان يُتوقع ؛ إذ لم تصل في كلا المرحلتين إلى نسبة (5% ) ، ومن ثم فإن كل التوقعات التي كانت تفتح الباب واسعا على مصراعيه أمام ولوج باب القصر الرئاسي عبر الانتخابات باتت ضعيفة ومتواضعة ، لكن هل يعني ذلك أن تلك الإمكانات تلاشت ولم تعد مطروحة ؟
يعتقد كثير من المتتبعين للحركة الإسلامية في موريتانيا أن هواجس القيادة والسلطة لدى قادتها هي أكبر من أي شيء آخر ، وأن طموحهم إلى السلطة لا زال يزداد آونة بعد أخرى ، ولقد بات تقربهم منها في العهد الجديد مثار شك ومحل شبهة من طرف كثير من المراقبين ، إذ لا يمكن تفسير ذلك التزلف إلا بمحاولة إشغال متعمدة للاستخبارات الوطنية التي ظلت بالمرصاد لتحركاتهم فترة طويلة، ويرى الكثير من المراقبين أن الحركة تعد مخططا للانقضاض على السلطة فجأة عبر انقلاب عسكري بات وشيكا قد نفاجأ به قريبا صباحا أو مساء، فعلى أي أساس تنبني هذه الفرضية ؟ وما هي إمكاناتها الحقيقية في الفكر والممارسة لدى الحركة الإسلامية "حاسم " ذات الطابع السري ؟
تنطلق هذه الفرضية من مجموعة من الملاحظات ، منها :
اولا- التقرب المفرط من السلطة :
فمن المعروف أن مجلس العدالة والديمقراطية لم يرض بأن يُشرّع للحركة الإسلامية حزبا ، وأثناء الانتخابات التي جاءت بالرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله كان الحركيون منسجمين تماما مع المرشح صالح ولد حننا كنوع من رد الجميل له، وهو الذي يعرف عنهم وعن طموحاتهم ما لا يعرفه غيره؛ إذ كان التنسيق معه على أشده أيام محاولاته التي لم تتكلل بالنجاح ، وبعد أن جاءت طلائع الجيش بولد الشيخ عبد الله ودخل القصر الرئاسي منهك القوى إثر حملة انتخابية شرسة لم يكن مهيئا نفسيا ولا جسديا لإدارتها، وقبل أن يتمتع الرئيس الجديد بالنجاحات التي أنجزت في غيابه كان الإسلاميون يتحلقون حوله فجأة تحت شعار سماه أحد كتاب المواقع الوطنية ذات مرة " ادخلوا عيهم الباب". والخطير في الأمر أن الرئيس بعد أن غادر القصر مكرها لا بَطلا كانت قوى الحركة الإسلامية وهي التي استفادت منه كثيرا في تشريع حزبها وفي مشاركتها في السلطة لأول مرة قد جُنّ جنونها وآلى قادتها على أنفسهم أن لا يستظلوا بظل إلا بعد أن تعود الشرعية لأصحابها . وجاءت الانتخابات الأخيرة واصطف الإسلاميون مجددا خلف واجهتهم في المسار السياسي وتحت شعار جديد هذه المرة وفي مناقضة كاملة لبرنامج ولد عبد العزيز ، لكن ما أن انتهت الانتخابات حتى كان الإسلاميون أقرب لعدوهم بالأمس من شراك نعله ، وخسروا التنسيق بسبب ذلك مع الجبهة التي تشكلت أيام التصحيح رافضة الانقلاب ، كل هذا يقرأه بعض المراقبين من وجهة أخرى إذ يرون أن الحركة استعادت الاتصال بجناحها العسكري وقررت القطيعة مع أهم المستخدمين فيه آنذاك من أجل إعادة ترتيب ذلك المسار بعيدا عن الانكشاف ،وليس قربها من السلطة إلا من أجل أن تبعد الاتهام عن جناحها العسكري ليتدبر أمره على مهل ولكي يتجاوز نقاط الضعف التي وقع فيها صالح ولد حننا أيام محاولاته الفارطة.
ثانيا - إصرار الإسلاميين على بقاء الحركة : والملاحظات الثانية تنطلق من الإصرار القوي لدى الإسلاميين على بقاء الحركة بعيدا عن الأنظار تعمل في دهاليزها المظلمة وفي سرية تامة ، فرغم أن الإسلاميين حظوا في المرحلة الأخيرة بحزب مشرع وتم استلامه من طرف الجناح المعروف بالمسار السياسي والذي هو أحد المسارات التقليدية في الحركة ، وقد ظل واجهة نشطة تمتص ضربات الأمن وتشغل المتتبعين للصخب الحركي بعيدا عن الوجه الحقيقي والمضمون الفعلي للمؤسسة الحركية ، ويرى بعض المراقبين أن إصرار الإسلاميين على بقاء الحركة السرية نشطة وعاملة في مجالاتها التقليدية دليل واضح على أنها لا زالت متمسكة بخطها التقليدي نحو السلطة ، خصوصا وأنها لم تجد ذلك الزخم الذي كانت تتوقعه من مشاركتها في الانتخابات الماضية . ولو كان الحركيون مقتنعين حقيقة بواقع الحراك السياسي الوطني وتطوراته المتلاحقة في مجال الديمقراطية والحريات العامة لأعلنوا جهارا نهارا تخلصهم من الحركة وتنظيمها السري ،ولكان هذا أكبر دعم يمكن أن يقدمه الإسلاميون في وقتهم الراهن للوضع السياسي المتجدد والمتطور في البلد ، علما أن حل الحركة ليس من السهولة بمكان لدى أشخاص تعودوا العمل السري واستمرؤوه وباتت مصالحهم الضيقة رهن وجوده،بل لقد تكيف العقل الإسلامي مع التنظيمات السرية التي يجد فيها مبررا لغياب النقد والمراجعة وتنزيل ظروف الطوارئ بمجرد أن تهدد مصالح بعض الأشخاص بمقتضى سرية العمل، وبدعوى المحافظة على مصالحه العليا .
ولا يخفى أن العمل السري ليس غاية وإنما هو وسيلة يتم اللجوء إليها اضطرارا تحت نير سلطة الأنظمة المستبدة والقامعة للحريات والتي ترفض التعدد وترى فيه تهديدا لوجودها ، وليس مقنعا بأي وجه من الوجوه أن تظل حالات الضرورة أرضية سهلة يلجأ إليها كل من له مآرب خاصة ووفق منطقه الضيق ، ولم يُقدّم خواصُ التنظيم أيَّ مبرر مقنع لاستمرار التنظيم سوى أنهم لا يملكون الضمان الحقيقي لاستمرار الحالة السياسية الراهنة ، وان أي انتكاسة للوضع القائم قد ترمي بهم جميعا في متاهات السجون ، أو تعيدهم من حيث بدأوا في الثمانينات الماضية بأقل من خفي حنين ، ولا يخفى ما لهذا المبرر من التهافت أصلا وفرعًا .
ويبقى السؤال التالي أكثر إلحاحا: ترى ما ذا لو استلم الإسلاميون السلطة في موريتانيا ؟ كيف يمكن أن نتصور الحالة التي ستدار بها شؤون البلد ؟ وما فلسفة العقل السياسي لهذه الجماعة ؟ وهل من نموذج يحتذى لديهم في غياب أي رؤية فكرية مقروءة يمكن لها أن تؤطر نظرتهم العامة للعمل السياسي أو تقدم تأويلا مقنعا لنهجهم الفعلي في إدارة الدنيا والدين ؟ ثمة معطيات باتت تتلاحق من حين لآخر تفيد كلها بأن الإسلاميين لو أخذوا السلطة لتغيرت الأمور من حال إلى حال ... وأكثر تلك المعطيات حضورا هو أن الحركيين أنفسهم لا يؤمنون أصلا بالديمقراطية فلقد تواترت المناهج التي كانت تقرأ على المريدين لتتم البيعة وفق منظورها على هذا النحو ؛ حيث كان مسطورا فيها بالحرف الواحد "إن الديمقراطية نظام كفري " حتى سنة 2003 حيث تم حذفها من المنهج بناء على توصيات خارجية ونزولا عند رغبة بعض الشباب الطموحين الذين لهم توق إلى السلطة ، وكان إقناع المشايخ بذلك طامة كبرى استغرقت من الوقت والجهد الشيء الكثير ولم يقتنع المشايخ بذلك الحذف إلا بعد أن قدمت لهم ضمانات مفادها أن المسألة قد لا تعدوا تكتيكا له تفسيراته ومبرراته في الوقت الراهن وعندما يتولى الإسلاميون السلطة فسيكون لكل حادث حديث .
والذي أود ذكره هنا أن المسار السياسي الذي يتصدره قادة حزب تواصل الآن ليس له من الأمر شيء إنما هو واجهة لجهات تشريعية وتنفيذية تتربع على قيادة الحركة ، ولا تستطيع القيادة في تواصل الآن أن تخالف أوامر تلك الجهات ولقد تأكد ذلك أيام هروب المشايخ من السجن وتوجه بعضهم نحو دول غربية حيث عادت قيادة تواصل الحالية مخالفة أوامر قادة الحركة فرفضوا استقبالها في مطار نواكشوط وابلغوها فور عودتها أنه تم فصلها من الحركة ، وبعد مشادات ووساطات داخلية وخارجية وقبول إعلان التوبة من اقتراف معصية مخالفة القيادة تراجعت قيادة الحركة عن ذلك القرار .
إن غياب الديمقراطية يتجلى أكثر للذين اقتربوا من القيادة وأدوات صناعة القرار في الحركة حيث يشتكي الجميع من أن قيادة الحركة بل ورجالاتها الأقدمين هم فوق القانون ولهم من الاستثناء ما يخولهم أن يكونوا أكبر من المؤسسات والنظم المعمول بها ، وأتذكر أن أحد الأساتذة في نهاية الألفية الماضية كان قد أعد بحثا عن الديمقراطية في ضوء مقاصد الشرع ومراميه وكان بحثا جادا ولو نشر آنذاك لكان سبقا فكريا وسياسيا بلا منازع ، لكن قادة الحركة ، وبعد أن فرض البحث نفسه وتاقت إليه نفوس الشباب المتعطشة للعلم والمعرفة ، كانت قد قررت أن تشكل لجنة علمية تمر بكل الخلايا التي قرئ الموضوع لها تحت شعار إصلاح المعتقد وتبرئة الذمة . بل ومُنعت جهات أخرى لا حقا من تناول ذلك الموضوع .
والمعطى الثاني يتمثل في ضيق العطن السياسي وعدم قدرة الحركة على استيعاب التنوع والتعدد أصلا ، فلقد عانت شرائح عدة داخل الحركة من هذه النظرة الضيقة التي لا تقبل تعدد الرأي وترى فيه مصدر شرّ يجب أن توصد الأبواب أمامه ، ولطالما تم نعت المخالفين وأصحاب الآراء الجديدة داخل الطيف الحركي نفسه بالفسوق والمروق بل وتم نعتهم أحيانا بالمنتكسين بل والمرتدين أيضا ، وقد تتصور خطورة ضيق العطن هذه التي ابتليت بها الحركة على السلم الاجتماعي خصوصا إذا كان قادة الحركة لا يترددون في تنفيذ مآربهم حتى ولو كان ذلك ضد القانون والنظم المعمول بها وهذا ما جعل الحركة نفسها تتحمل بسببه خسارة طائلة تمثلت في غياب أوجه لم تجد مقنعا في أن تدخل في صراعات لحسابات ضيقة وعلى حساب المبادئ والقيم .
والمعطى الثالث يتمثل في سيادة الفكر النمطي الذي يجعل من الجمود على صيغة أحادية معينة أمرا مألوفا وعائقا لتبادل السلطة ؛ حيث يشيع في الأوساط الحركية وخصوصا في جهاتها المتعلمة خارج البيئات التعليمية المعاصرة التفكير النمطي المتحجر والذي يسم الأشياء بميسم لا يتبدل ولا يتغير ، فكل من هو خارج المحيط الحركي ينعت بالفسق وغياب الضمير وقد يوصف بعبارات من قبيل التوبة والإنابة والرجوع إلى الله بمجرد أن يرى سبيله إليهم أو يرون طريقا لجرّه إلى ساحتهم ، ثم ما تلبث أن تفاجأ في أول فرصة يتاح فيها تعدد الرأي والاختلاف أن يعاد تكييف الاتهام مجددا لأصحاب الآراء المخالفة باعتبارهم أبناء اتجاهاتهم الأصلية ، وهذا ما يجعل كثيرا من أبناء الحركة الإسلامية الذين عاشوا خارجها واستقام عودهم الحركي في بيئات أخرى يتوجسون خيفة من أي مبادرات حرة قد تجعلهم في مواجهة قادتهم، وهم الآن قادة في العمل الإسلامي ضمن مستويات متقدمة تبوؤوا فيها مناصب قيادية كما كانوا أيضا قبل ذلك قادة في اتجاهاتهم السابقة ، ومنهم بعض الذين تبوأوا مناصب سامية في عهد سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله وقد أعلنوا عن تلك المضايقات في أكثر من مناسبة .
والمعطى الرابع مرتبط بالذي سبق ومنطلق منه ويتمثل في نظرتها تجاه التدين القائم في البلد ؛ فكله مبني على دَخنٍ وسوف يحظى بمراجعات عميقة ووفق منظور قادة الحركة وفهم فقهائها ، وهذا ما يعني الاستعداد لمواجهات شاملة من أجل إعادة ترتيب الأمور الدينية وفق ما تراه قيادة الحركة ووفق نظرتها للسلطة والمجتمع من أجل بقائها في السلطة ، ولقد عبر قيادي كبير لشبكة إسلام أون لاين عن ذلك بوضوح. ومن المؤسف أن المجتمع الموريتاني لا يعرف شيئا كثيرا عن النوايا الحقيقية المضمرة في هذا الصدد مع أنه لو فكر في واجهة واحدة من واجهاتها الدينية كجمعية تكوين العلماء لعرف من غير أن يحتاج إلى ذكاء كبير أنها تستعد لتكون مؤسسة لصناعة المرجعيات العلمية البديلة عن مرجعيات البلد العلمية لكن وفق تصور الحركة وفهمها للدين الذي يخالف الفهم السائد عند المرجعيات التقليدية المتمثلة في علماء المحاظر التقليدية العريقة، والدليل على ذلك أنها لا تدرس المتون التقليدية التي تعبر عن المذهب العقدي والسلوكي للمجتمع وإن كانت تدرس متون الفقه المالكي على سبيل ذر الرماد في العيون لأن خلافها الأكبر مع المعتقد والسلوك. وهي خطة تندرج في إستراتيجية الحركة بشكل عام والتي تهدف إلى أن تحل محل مؤسسات المجتمع كلها تخترق ما يمكن لها أن تخترق وتستحدث البديل لما تعجز عن اختراقه ، بمعنى آخر إنها تغتصب إرادة المجتمع من حيث لا يدري .
وثمة معطى آخر يرى في الحركة عودة للصيغ القبلية التقليدية والجهوية وابتعاث ثقافة المجتمع البدوي من مرقدها في أكثر صورها سلبية حيث يتم تركيز الثقافة السلبية ومعاني النفاق الاجتماعي والسياسي وحيث يسود فكر التأزم وتطفو معاني الانغلاق وتنتشر المحسوبية ، ومن منظور هذا المعطى فإن الحركة إذا وصلت إلى الحكم فلن تختلف عن الأحزاب الحاكمة التي يُصفَّقُ لها وينافق؛ فستصرف المال بالشكل الذي يثبت أقدامها في الحكم أطول مدة ممكنة، وستولي المناصب أعضاءها والمقربين منها والمستعدين لفعل ما يعلمون أنها تريد بالضبط كما الأحزاب الحاكمة قبلها ويستدل على هذا بالطريقة التي تسير بها البلديات الآن التي تديرها والطريقة التي سيرت بها الوزارتان أيام ولد الشيخ عبد الله ووزارة الشؤون الإسلامية أيام وزارة العشرين يوما حين أُحل موظفون من الحركة مكان موظفين ليسوا منها وصفيت الوزارة من المخالفين.
وثمة معطى آخر يتعلق بنفسية الحركة وثقافتها التي تربى عليها الشباب داخل الأوكار المظلمة حيث يتعود النشء على ثقافة الاتباع وهز الرؤوس وغياب النقد والمراجعة ، ولقد عبر الأستاذ محمد بن المختار بوضوح في كتابه (فتاوى سياسية) عن خطر هذه التربية التي تنمي الولاء عند الأشخاص للحركة وليس للأمة ولا لمبادئها .
ترى ما دلالة هذه المعطيات على مستوى الممارسة ؟ وما موقف المجتمع منها ؟ وما مدى خطورتها على السلم الاجتماعي ؟ تبدو خطورة هذه المعطيات على السلم الاجتماعي وفي مجال الأمن القومي والفكري عموما واضحة جدا ، إذ تجعل من إمكانية التقاتل الاجتماعي والتطاحن أمرا محتما طالما أن العقلية الحاكمة تمارس الاستبداد بالرأي والممارسة وتعمل على تكميم الأفواه وتسرف في إنفاق مقدرات البلد وفق حاجاتها الخاصة وترفض التعدد والتنوع حتى في إطارها الخاص فإن الأمر سيخلق أوضاعا جديدة على منطق المجتمع وثقافته وستُدخل المجتمعَ من بوابة هي أقرب إلى الصورة "الدارفورية" منها إلى غير ها ، وبالتالي سنعيش جبهات متخندقة تتصارع من أجل حساباتها الخاصة . أما موقف المجتمع منها فيبدو غير إيجابي على صعيد العلماء والمفكرين ولعلهم معذورن لعدم معرفتهم بواقعها وحقيقة أهدافها ولعلهم لو كانوا على وعي كاف بها لكان لهم مسار سياسي واضح يحول دون احتكارها للمجال السياسي ليكون هنالك توازن في الساحة على المستوى السياسي يمنع الحركة من فرض نظرتها على الشعب بطريقة غير ديمقراطية تدّرع بالسرية والدبلوماسية التي تخفي وراءها مفاجآت قد لا تكون سارة أبدا .
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ،،،
2 تعليق على موضوع : ماذا .. لو استلم إسلاميو موريتانيا السلطة ؟
كأنك تخوفنا والعلام من الإسلاميين ...
ردة فعل من طرد!!! لماذا لم تقل هذا عندما كنت في داخل الحركة ؟؟؟ لا فائدة من أي كلام تحاملي غير منصف
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات