ابن عباد الملك الشاعر :

من هو المعتمد بنُ عباد ؟
 

لوح من المرمر وقد كتب عليه وصية ابن عباد الشعرية

هو محمد بن عباد بن محمد بن إسماعيل سليل أسرة جاه وثراء دخلت الأندلس واستقر بها المقام في إشبيلية فاستوطنتها وعمرتها ، وظهر أمرهم في القرن الرابع الهجري بعد تصدع أمر الدولة الأموية في تلك البقاع، لَقّب محمدٌ بن عباد نفسَه بالمعتمد على الله كما كان والده من قبل قد لقب نفسه بالمعتضد بالله كان محمد فارسا مغوارا  وشاعرا فذا محبا للأدب، ويجل الشعراء ويقربهم منه، ويغدق عليهم في العطايا، وبلغ  من حبه للأدب أنه كان لا يستوزر  كاتبا ولا وزيرا  ما لم يكن شاعرا ، وكان له مجلس في كل يوم اثنين من كل أسبوع لا يدخل عليه فيه إلا شاعر قال عنه المراكشي : " وكان المعتمد هذا يُشبَّه بهارون الواثق بالله من ملوك بني العباس : ذكاء نفس وغزارة أدب وكان شعره كأنه الحلل المنشرة واجتمع له من أهل الشعراء والأدب ما لم يجتمع لملك قبله من ملوك الأندلس ..."  ومن رقيقه شعره في زوجته اعتماد :

         تَـظُـنُّ بِنَا  أُمُّ الرَّبِيعِ سَآمَـــــةً          أَلاَ غَفَـــــرَ الرَّحْمَــــنُ ذَنْباً تُواقِعُهْ

        أ َأَهْجُرُ ظَبْياً فِي فُؤَادِي كِنَــاسُهُ         وَبَدْرَ تَمَامٍ فِي جُفُونِي مَطَـــــــــالِعُهْ

        وَرَوْضَةَ حُسْنٍ أَجْتَنِيهَا وَبَــــارِدًا        مِنَ الظَّلْمِ  لمَ تُحْظَرْ عَـلَيَ شَرَائِعُــهْ

        إ ِذاً عُدِمَتْ كَفِّي نَوَالاً تُفِيـــــضُهُ        عَلَى مُعْتِفِيهَا أَوْ عَــــــدُوًّا تُقَارِعُــــهْ

ومنه قوله في رسالة غرامية : 

        إِنِّي رَأَيْتُكِ فِي الْمَنَامِ ضَجِيعَتِي      وَكَأَنَّ سَاعِدَكِ الْوَثِيرَ وِسَــــادِي
        وَكَأَنمَّاَ عَانَقْتِنِي وَشَكَـــــوْتِ مَا      أَشْكُوهُ مِنْ وِجْدِي، وَطُولِ سُهَادِ
        وَكَأَنّنِي قَبّلْتُ ثَـــــغْرَكِ وَالطُّلَى      وَالْوَجْنَتَيْنِ ، وَنِلْتُ مِنْكِ مــــُرَادِ

ويبدو أن المعتمد قد أخذ الشعر من نفس البيئة التي أخذ منها السياسة وإدارة الملك فلقد كان في أجداده فقهاء وشعراء ، كما كان أبوه المباشر شاعرا مجيدا ، فاستمع إليه إذ يقول:

           شَرِبْنَا ،وَجَفْنُ اللَّيْلِ يَغْسِلُ كُحْلَهُ     بِــمَاءِ صَبَاحٍ، وَالنَّسِيمُ رَقِيقُ

           مُعَتَّقَةً حَمْرَاءَ، أَمَّـا بُخَـارُهَـا    فَضَـخْمٌ ، وَأَمَّا جِسْمُهَا فَــــــدَقِيقُ

انتهى أمر دولة بني عباد بعد فترة من المجد والسؤدد وصناعة التاريخ الحافل بالعطاء ، في عهد المعتمد بن عباد  على يد أمراء المرابطين في سنة 484هـ  حيث تم أسر الملك وما تبقى من عائلته في يوم عصيب يقول عنه الملكُ نفسُه :

               إنْ يَسْلُبِ القَومُ العِدَا      مُلْكِي وَتُسْلِمْنِي الْجُمُوعْ

               فَالْقَلبُ بَينَ ضُلُوعِهِ       لَمْ تَسْلُبِ الْقَلْبَ الضُّلُوعْ

ورُحِّلَ الأسرى في سُفن إلى المغرب حيث انتهى بهم المطاف في قعر مظلمة بمدينة أغمات ، لكن الملك ظل شاعرا في السجن -أيضا- كما كان شاعرا قبله ، بل لقد طبعت تلك الأحداثُ الجسامُ شعرَه بحرارة شعرية جياشة عاطفة صادقة .

ضريح ابن عباد من الداخل

 توفي  المعتمد  بأغمات  في ذي الحجة سنة (488هـ=1095م)، وقد رثى نفسه بهذه الأبيات، وأمر أن تُكتب على قبره:

       قَبْرَ الْغَرِيبِ سَــقَاكَ الرَّائِحُ الْغَـادِي     حَقًّا ظَفِرْتَ بِأَشْلاءِ ابْـــنِ عَبَّـــــادِ         

       بِالْحِلْمِ بِالْعِلْمِ بِالنّعْــمَى إِذَا اتَّصَلَتْ      بِالْخِصْبِ إِنْ أَجْدَبُوا، بِالرِّيِّ لِلصَّادِي

       بِالطَّاعِنِ الضَّارِبِ الرَّامِي إِذَا اقْتَتَلُـوا   بِالْمَوْتِ أَحْمَرَ بِالضِّرْغَامَةِ الْعَــادِي

       بِالدَّهْرِ فِي نِقَمٍ بِالْبَـحْرِ فِي نِـــــــعَمٍ      بِالْبَــدْرِ فِي ظُلُمٍ بِالصَّدْرِ فِي النَّادِي

       نَعَمْ هُوَ الْحَقُّ حـاباني بِــهِ قـَــــــدَرٌ      مِـــــــنَ السَّمَاءِ فَــــوَافَانِي لِمِيعَـــادِ

       وَلَـمْ أَكُنْ قَبْلَ ذَاكَ النَّعْشِ أَعْــــــلَمُه      أنَّ الْجِبَالَ تَهَادى فَــــــوْقَ أَعْـــوَادِ

       كفاك فارفُقْ بما استُودِعت من كـرمٍ      رواك كل قطوب البــرق رعــاد

       فَلا تَزَلْ صَــــلَوَاتُ اللهِ نَـــــــــازِلَةً       عَـــلَى دَفِينِكَ لا تُحْصَى بِتــَعْدَادِ

نقلا عن ديوان المعتمد ملك إشبيلية المطبعة الأميرية بالقاهرة / 1951( بتصرف )

تصنيف : مختارات أدبية