المدرسة الوطنية للعمل الاجتماعي .. حلم وطني يتحقق

يتناسب اهتمام المجتمعات بفئاتها الهشة وشرائحها الضعيفة طرديًا مع مستوى نضجها وتقدمها الحضاري. فكلما ترسخت القيم الإنسانية في وعي الشعوب، زادت قدرتها على احترام حقوق الجميع، لا سيما من يحتاجون للدعم والرعاية. وهذا الاهتمام لا يقتصر على تحسين أوضاع هذه الفئات، بل يمنحها أيضًا القدرة على الإسهام الفعّال في التنمية المجتمعية.

وفي موريتانيا، يشكل العهد الحالي نقطة تحول فارقة في هذا المجال. فالدولة بدأت تولي أهمية حقيقية لفئات طال تهميشها، ومن أبرز ملامح هذا التوجه افتتاح مركز للتوحد، وإطلاق المدرسة الوطنية للعمل الاجتماعي كأول مؤسسة تعليمية متخصصة في التكوين المهني والاجتماعي الموجه لهذه الفئات.

تأتي هذه الخطوة لسد فراغ كبير في التعامل المؤسسي مع ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث بدأت المدرسة هذا العام في تقديم تكوينات متخصصة في مجالات مثل التوحد، لغة الإشارة، وكتابة برايل، ضمن سبعة مسارات تصب كلها في خدمة العمل الاجتماعي والتربية الخاصة.

لا تقتصر أهمية هذه المبادرة على التكوين وحده، بل تمتد لتشمل بناء وعي مجتمعي جديد يُعيد النظر في الطريقة التي نرى بها الإعاقة. فغياب الإحصاءات الدقيقة حول أعداد ذوي الإعاقة في البلاد يبرهن على مدى التهميش الذي عانوه. والآن، يمكن من خلال هذه المؤسسة جمع المعطيات اللازمة، وتوفير التكوين الذي يمكّنهم من الاندماج والمشاركة الفعالة في بناء الوطن.

من جهة أخرى، ستساهم هذه المدرسة في تغيير نظرة الأسر نحو أبنائها من ذوي الإعاقة، إذ ستكتشف أن هؤلاء ليسوا عبئًا، بل طاقات كامنة يمكن تأهيلها وتوجيهها لخدمة المجتمع. كما ستساعد في تصحيح المفاهيم الخاطئة التي ترى في الإعاقة عيبًا يجب إخفاؤه، بدلاً من التعامل معها بوعي ومسؤولية.

إن البرامج التي أطلقتها المدرسة الوطنية للعمل الاجتماعي هذا العام، ستمكن من تكوين كوادر وطنية قادرة على العمل في جميع ولايات الوطن، وتقديم الدعم والتأطير المهني لذوي الاحتياجات الخاصة، مما يفتح أمامهم آفاقًا جديدة للاندماج وتحقيق الذات.

هنيئًا للوطن بهذه الخطوة الواعدة، وهنيئًا لأصحاب الهمم الذين يجدون اليوم طريقهم نحو الاعتراف والدعم والمشاركة.

يحيى ولد البيضاوي