إ عزيز .. والقرارات الصعبة ..! ~ يراع ـ البيضاوي

الجمعة، 17 سبتمبر 2010

عزيز .. والقرارات الصعبة ..!

رئيس الجمهورية : محمد ولد عبد العزيز
لم أعرف السيد رئيس الجمهورية محمدا بنَ عبد العزيز في حياتي وقد بلغت من العمر عتيا ، وليست لدي أية مصلحة في نظامه غير تلك التي تخصنا جميعا وهي المصلحة المتعلقة بسمعة الوطن ومكانته ، وإذا كان لا بدّ لي أن أذكر المداخل التي بدأ الرجلُ يشدّني من خلالها إليه، فسأقول : إنني قد عرفته من خلال القرارات الصعبة التي عودنا على اتخاذها، منذ الفترة التي تولّى فيها مباشرة إدارة الشأن العام، تلك القرارات التي أقلّ ما يمكن أن يقال عنها إنها صعبة وفي غاية الخطورة، وتحتفظ بكافة عناصر المفاجأة . لقد بدأت تلك القرارات مع فجر السادس من أغسطس يوم أن قرّر عزيز أن يخلّص موريتانيا من ورطتها آنذاك مع رئيسها السابق ، فاستطاع بقرار مفاجئ وسريع أن ينقذ موريتانيا من أزمات حقيقية كانت على شفاها يومئذٍ، وكانت ستستمر وتطول لأنها كانت ستتم تحت لبوس مزيّف من "الديمقراطية"وبرعايتها ، ولم يكن ذلك القرار أصعب مما تلاه في دكار يوم أن قرر الدخول في المفاوضات التي قادت إلى الانتخابات الأخيرة حيث تنازل للمعارضة عن كل شيء : عن نصف أعضاء الحكومة بما فيها وزارا ت سيادية في غاية الأهمية مثل الداخلية والدفاع والمالية .. حتى أدارت المعارضة عملية الانتخاب بنفسها لنفسها، وحتى لا يكون في وسعها أن تتقول على النظام وتتحدث عن تزوير انتخابات تمت تحت إشرافها وبرعاية منها ، وبلغت تلك القرارات الصعبة ذروتها مع قراره التخلص من اليهود والعلاقات المشينة معهم ، واليوم يفاجئنا السيد الرئيس بقرار آخر يصطبغ بنفس الصبغة ويندرج تحت نفس العنوان ألا وهو القرار المتعلق بالعفو عن السلفيين ، فرغم أن الدولة رسميا والمجتمع من حولها في حالة حرب مفتوحة مع تنظيم القاعدة وعناصره في ساحتنا الوطنية ، ورغم أن القاعدة ذاتها لا زالت توعد وتهدد ،فبالرغم من ذلك كله يأتي قرار بالعفو عن سجناء مدانين قضائيا، في ظروف حرجة ، وبدون شروط .. إنه قرار صعب حقا ، وما كان لأحد أن يتوقع مثله أبدا في هذه المرحلة المختلطة والمظلمة من تاريخنا . ترى ما دلالة هذا القرار سياسيا واجتماعيا ؟ وما هي الرسالة التي يسعى إلى توصيلها ؟ وبعبارة أخرى إلى أي حدّ يمكننا القول إن في فك سراح السلفيين فك لسراح موريتانيا من مشاكل لا تريدها أصلا ، وفي غنى عنها ؟ ليس سهلا أن يستسيغ المرء الحدّ من حريات الناس ، أو مضايقتهم في علاقاتهم أوسعيهم من أجل معاشهم، وليس سهلا كذلك أن يقبل العقل السوي منع المرء من أن ينضم إلى ذويه ويشارك أفراد أسرته ومجتمعه في أفراحهم وأتراحهم ،ولا شك أن أكبر أذية توجه لأفراد الناس صغارا أوكبارا أن يجدوا الآخرين مجتمعين مع بعضهم البعض من حولهم ويجدوا هم أنفسَهم ممنوعين من ذلك .. غير أن للأمن مفاهيمه وأساليبه الخاصة التي لا تخلو من خشونة في التصور وقسوة عند التطبيق . وفي هذا الإطار جاء قرار العفو المذكور فكان تدخلا حقيقيا لرفع المعاناة ومساعدة الأُسر في التئام الشمل والتسامي على الجراح موجها أساسا إلى أهالي وعائلات المستفيدين منه، وإلى مجتمعنا المدني من بعدهم عامة، وكأنه يريد أن يتعاطى مع ما يدور في صدور الأمهات والمقربين من السجناء المعفوّ عنهم وكذلك المراقبين أيضا؛ باعتبار أن العهد الجديد لم يعط فرصة للشباب لالتقاط أنفاسهم ولمراجعة مواقفهم ، ولم يساعد – كذلك - على تغيير الصورة النمطية التي تركتها الأنظمة السالفة عالقة بالأذهان، فتم سحبها على النظام الحالي لتجعل منه امتدادا لسلفه العسكري الذي فتح الجبهات على أشدّها مع المعارضين عامة والسلفيين خاصة ، وكأن القرار يريد أن يقول لهم : ها نحن اليوم نصفح ونتجاوز ونسعى إلى فتح صفحة جديدة مع أبنائنا رغم الإساءة التي أتوها في حقنا وحق الوطن كله ،فمهما فعلوا فهم فلذات أكبادنا و"يدك منك ولو كانت شلاء "، ولكن .. عليكم أيها الناس في مجتمعنا المدني، أن تكونوا شهداء على فتح هذه الصفحة الجديدة .. فهل سيكون المستفيدون من هذا القرار على المستوى وقريبا من تطلعاتنا .. ؟ وهل سيتعاطون بشكل إيجابي مع هذا القرار ويعودون إلى ممارسة حياتهم العادية بشكل سلمي وطبيعي ؟ علما أن القانون والدستور يكفلان لهم مشاركة كاملة في شتى مناحي الحياة ؛ إذ بإمكانهم أن ينخرطوا في أحزاب قائمة أو يؤسسوا أخرى تعبر عن آرائهم ومشاريعهم الفكرية والسياسية. والرسالة الأخرى موجهة إلى التيار السلفي بالذات في الداخل أولا والخارج ثانيا تستهدف أمرين : الأول أن الدولة لا تريد المشاكل مع أحد وليست لديها أية خصومة مع السلفيين ، وليست معنية بما يحدث خارج حدودها من صراعات تتداخل فيها المصالح والمبادئ وأشياء من الحاضر والتاريخ ، وها نحن اليوم نؤكد هذا الطرح من خلال هذا القرار الذي استعاد عبره السلفيون حريتهم ، وعلى المعنيين به في الداخل والخارج أن يدركوا أن بإمكانهم التفرغ لقضاياهم الكبرى ، ونحن كذلك نريد أن نتفرغ لقضايانا الكبرى ممثلة في ملاحقة الفساد المستشري بشتى أشكاله في مفاصل الدولة ومراكز التأثير داخل المجتمع، ومطاردة شبح التخلف ، وتحقيق العدالة وتوزيع الثروة الوطنية توزيعا عادلا يخدم الوطن حاضره ومستقبله. أما الأمر الثاني فيسعى إلى التأكيد على أن قرارنا بأيدينا وليس بأيدي القوى المهيمنة ، وأننا نتخذه بناءا على ما نتوقعه من دفع ضرر أو جلب مصلحة ، وعلى الكل أن يدرك أن موريتانيا لا تسعى إلى أن تخوض حروبا بالوكالة أو تكون بديلا لأحد في أي منازلة إلا إذا فرضت علينا فرضا من طرف الأعداء والمرجفين وأصحاب النفوس الضعيفة ،وكأن قرار العفو الرئاسي يقول بلسان الحال: ( قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ( . ويبقى السؤال الملح : ما هو موقف القاعدة في بلاد المغرب من هذ القرار ؟ وهل ستعتبر هذه المبادرة دليلا على حسن نية ورغبة في تناسي صفحات آلمت الجميع وأساءت إلى الكل ؟ في اعتقادي أن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي لو كان له من الأمر شيء لما ضيع هذه الفرصة خصوصا وأنها تأتي في ظرف يتسم بالتحدي المتزايد من طرف قوى الاستكبار العالمي ، ولقد نشرت أخبار هذا العفو المذكور على وقع أخبار أخرى تفيد بتحد واضح للإسلام والمسلمين تلك الأخبار التي ذكرت أن إحدى الكنائس في أمريكا تريد حرق عشرات النسخ من المصحف الشريف بمناسبة الحادي عشر من سبتمبر ، فإذا أضيفت تلك الأخبار إلى ما يعانيه المسلمون في العالم من استعمار واحتلال للأرض ،وتدخل في الشؤون الداخلية فمن الأولى أن تتغير الرؤية وتتبدل الأولويات لدى المهتمين بأمر المسلمين .. إذا كان هذا الهم يؤرقهم حقا.. ، وحينها سيكون الحفاظ على الجبهة الداخلية متماسكة أولى من تشتيت الجهود وتمزيقها . غير أن كثيرا من المراقبين لا يرون أن القاعدة في بلاد المغرب العربي قادرة على امتلاك الخيار الاستيراتيجي الذي يجعلها تتعاطى مع مثل هذه المواقف بشكل إيجابي ، فهي تنظيم ضيق الأفق معزول في الصحراء وواقع تحت ضغط الحصار الفكري والاجتماعي والسياسي ...حيث تسببت تصرفاته المنكرة في تمزيق امتداداته العقدية والاجتماعية داخل مجتمعاته ، حتى أصبحت لفظة القاعدة لفظة مخيفة تخيف المسلمين أنفسهم أولا قبل أن تخيف الأعداء من غير المسلمين لاقترانها في أذهانهم بالتفجيرات العشوائية والقتل والتشريد والتدمير ، وهذا ما يجعل التنظيم محاصرا على مستواه الاجتماعي إضافة إلى العزلة التي وجد فيها نفسه وسط صحاري قاحلة مطاردا من جهات عدة .كل هذا يجعل من التنظيم المذكور مجموعة لا خيار أمامها غير ما تقوم به من اعتداءات متكررة ونهب وسلب لأموال الناس، وما تمارسه من بث للرعب في غياب الرقيب الأمني، وليست أمامها أي خيارات أخرى . ومن ثم فإن السؤال ينتقل إلى الشباب المتعاطفين مع القاعدة في موريتانيا : فهل سيكون أولئك الشباب قادرين حقا على امتلاك زمام المبادرة والنظر إلى مصالح البلاد والعباد من زوايا أخرى تضع في الحسبان مشاكل الوطن الملحة، وخطورة الوضع الراهن إقليميا ودوليا حيث لم يعد فيه للضعفاء مكان وإنما أصبح منطق الفيلسوف "نتشه" هو المنطق السائد في حالة العلاقات الدولية اليوم : " على الضعفاء أن يساعدوا في فنائهم " ؟. وأملنا معقود على أصحاب العقول من أبنائنا المعنيين بالأمر أن يغلّبوا المبدأ والعقل والمنطق والرحم على حساب العواطف، وأن يستعيدوا الصلة مع علماء البلد وقادته الروحيين لاستنبات خطاب إسلامي أصيل يراعي الخصوصية المحلية العقدية والتاريخية للبلد، ويستثمر الظروف الإيجابية الجديدة التي يعيشها الوطن في ظل قيادته الحالية ، وسيجدون جموعا غفيرة من البشر تلتف من حولهم مؤمنة بموريتانيا الجديدة موريتانيا المستقلة والمسلمة والقوية بأبنائها وخيراتها . والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ،،،

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Hostgator Discount Code تعريب بلوغر ـ تطوير وتنسيق : يحيى البيضاوي