نبض اليراع نبض اليراع
twetter
recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...

مجتمع البيظان .. وسؤال الهوية ..

أثار الربيع العربي جملة من القضايا ذات العلاقة بمصير المجتمعات، ليس في البلدان التي تأثرت بتلك الأحداث فقط، بل أيضا لدى معظم البلدان التي هي على تماسٍّ معها، أو حتى تلك التي يمكن أن تَكْشِف المقارناتُ فيها عن تشابه في الأوضاع السياسية والاجتماعية بينها وبين بلدان الربيع العربي، ولعل أبرز القضايا التي تمت إثارتها على مستوى تلك الشعوب مسألة الهوية؛ حيث بات سؤال الهوية يُعبّر عن ذاته في صيغ متعددة تُحيل كلُّها إلى مدى إحساس الكثير من تلك الكيانات الجمعوية بضرورة الاستفادة من ذلك الحراك الذي جاء فجأة ودون سابق تخطيط.
وليس مجتمعنا ببعيد عن تلك الأجواء، بل هو في اتصال جغرافي واجتماعي منذ الأزل مع العديد من تلك الكيانات، وقد ظَلّ يحتفظ بعلاقات من القربى والتاريخ مع معظم المكونات الاجتماعية في المنطقة وخاصة تلك المجتمعات الواقعة على فوهات الربيع الهائجة في المنطقة، علما أن ثورة الاتصالات اليوم قد حَطّمت الحدود وقربت المسافات لتجعل العالم أجمع قريةً واحدة، تتبادل أطرافُه التأثر والتأثير بشكل سريع وفعّال. تُرى ما المقصود بمجتمع البيظان ؟ وما هي الإشكالات المطروحة، بالنسبة له، على مستوى الهوية ؟ وفي أيّ اتّجاه يمكن أن نتلمس مُحَدّداتِ هويته ؟.

يقصد بمجتمع البيظان ذلك الخليط البشري المتجانس الذي ظل يعيش في حيز جغرافي ممتد على مساحات واسعة في غرب الصحراء الإفريقية الكبرى، وهو المجتمع الذي كان منذ القدم يدير شؤون الحياة على مستوى منطقة الصحراء، ويوجّه تجارتها، و هو المسؤول عن حاضرتها الاجتماعية، والقَيّم-فيما بعد- على نشر الإسلام في أرجاء المنطقة وترسيخ ثقافته،وظلّ يمثل حلقة وصل بين العرب والأفارقة الزنوج. وتبدو الدولة الموريتانية اليوم الوريث الشرعي لذلك المجتمع، مع أن أطرافه الممتدة في الاتجاهات الأخرى لم يرض لها " الأسياد المؤسسون " أن تكون ضمن نطاق إشراف الدولة الحديثة، بل لقد تعمدوا تجاهل هذا العنوان لحاجة في نفس يعقوب، رغم علاقته بمسألة الهوية، وهو ما جعل قضية الهوية تكون مؤجلة إلى حِينٍ، وحيث ظلت فيما بعد تمثل لغزا لمتتبعي واقعنا الاجتماعي والوطني يثير كثيرا من الاستغراب. والذين تقدموا، في فترات سابقة، بمقاربات تستهدف البتَّ في مسألة الهوية متجاهلين معطياتها التاريخية والاجتماعية لم يحالفهم الصواب، وكانت مقارباتهم تلك تعكّرها مواقِفُهم الأيديولوجية المتطرفة سواء العربية منها أو الإفريقية، وحتى الأيديولوجية الإسلامومية التي من المفترض أن تكون الأقرب لحل وسط يلتقي حوله غالبية الفرقاء حصرت نفسها في خطاب سطحي ينساق وراء فلسفة الأمر الواقع دون أن تضيف أي شيء لحلحلته ذات اليمين أو ذات الشمال، و ظلت في أحسن الأحوال تدور في فضاء غير محدد لا يفيد التمايز المطلوب لتحديد تلك العناصر كما يقتضيها مصطلح الهوية باعتباره يعني:" الميزة الثابتة في الذات" حسبما توجه به القواميس المعاصرة، في محيط إقليمي يشاركنا نفس الصفات و يمتلك معنا نفس التفرعات ويحتفظ بذات الانزلاقات التاريخية أيضا.

إن طرح مصطلح "البيظانية" على البساط، لو قدر له أن يتم يوم تأسيس دولتنا الفتية لتحديد هويتها وتوجيه بوصلتها، لكان أقرب إلى المنطق وأدعى إلى الحق وأسكت للباطل، نظرا لأن البيظانية كمصطلح ظل يحظى، ومنذ القدم، بقَبولٍ مَحليٍّ مُعبِّرٍ عن هوية ساكنة المجال الجغرافي والاجتماعي الذي انبزغت منه تلك الدولة الوليدة "موريتانيا "، وحيث لازالت تلك الساكنة إلى الآن تُنْعَت به وتَحتَفِظ بخصوصياته دون غيرها من مجتمعات المنطقة، تلك الخصوصية التي جعلت منه مجتمعا فريدا في توافقه، منسجما رغم تنوعه وتعدد أطيافه، وهي حقيقة لا نملك مصطلحا يستطيع التعبير عنها غير مصطلح "البيظانية" ذلك المصطلح الذي يذكرنا بذلك الامتداد الذي ليس زنجيا بحتا وليس عربيا صرفا وإن كان فيه شيءٌ من هذا وأشياءٌ من ذلك، مع أنه مصطلح ليس وليدَ تجاذبات طارئة يمكن أن تُفسّر بالتحيز لجهة على حساب أخرى، بل هو مصطلح قديم يُعبر عن هوية مجتمع مركب من أجناس شتى عاشت في هذه المنطقة، ولا زلنا إلى يومنا هذا نعيش كثيرا من خصوصياته التاريخية والجغرافية. ويبدو أنه كان حاضرا قبل الهجرات العربية بدليل المؤرخين الذين كتبوا عنه بهذه التسمية " البيضان" كالبكري مثلا في كتابه "المغرب في ذكر بلاد افريقية والمغرب"، وهو معاصر للمرابطين. كما كان المستعمر قد تعاطى معه كثيرا في تقاريره الأولى عن المنطقة، حسب ما أورده الأستاذ الكبير الخليل النحوي، قبل أن يستقر رأيه ويقع اختياره على هذه التسمية التي نُقرّ اليوم بأنها أصبحت جزءا من تكويننا النفسي والاجتماعي.

ما هي محددات الهوية البيظانية ؟

تبرز هوية مجتمع البيظان من خلال العامل الديني حيث ظلت أطياف المجتمع تحتل مَرْتَبَةً من التدين عالية، و وفق منظور عقدي ومذهبي واحد، وهو أمر يندر وجوده لدى المجتمعات الإسلامية الأخرى. كما يمكن ترسم ملامح الهوية البيظانية من خلال التعدد العرقي المنسجم في خلطة بدوية موحدة، ظلت تمنح المجتمع ملامحه المميزة والفريدة؛ فهو مجتمع خليط شتى من العرب و الأمازيغ والزنوج الأفارقة وحتى الروم ومجتمعات أخرى انقرضت أصولها واختفت آثارها، وقد اندمجت أطيافه كلها في نمط من الاجتماع موحد وانصهرت في أسلوب من الحياة واحد بحيث أصبح من العسير التمييز بين مكوناته، بل إنها تتداخل وتتبادل الأدوار أحيانا مما يجعل الفصل بينها عملية ليست سهلة، ولقد خلق ذلك الوجودُ الاجتماعي الفريدُ ثقافةً محلية أضافت نمطا جديدا من التصنيف يقوم على الأدوار (الوظيفة) لا على الأصل العرقي؛ فمثلا كثيرا ما يوصف شخص "باستاعرابيت" أو " استزوي" أو "استكوير"... بناء على مواقف يتخذها تحيل إلى بعض القيم المرتبطة في الأصل بأحد المكونات العرقية للمجتمع. ولقد أضافت الهجرات العربية مُحَدِّداً آخر أصبحت له مكانته ضمن عناصر الهوية الاجتماعية والوطنية ممثلا في اللهجة الحسّانية التي أصبحت لغة التواصل بين كافة الأطياف الاجتماعية على اختلاف أصولها.

ويخطئ من يعتبر "الحراطين" قومية مستقلة فهم جزء من التركيبة البيظانية التي هي أمشاج بعضها من بعض، والحقيقة أن هذه الطبقة إذا لم تكن عربا فإنها بالتأكيد ليست زنوجا أفارقة كما أنهم ليسوا برابرة أيضا، وحينئذ لم يبق إلا أن ينطبق عليهم ما ينطبق عل المجتمع البيظاني بشكل عام؛حيث تختلط فيهم جميع العناصر وتتفاعل، وحيث يتم تقاسم الصفات والمميزات و الخصائص من اللغة والعادات والقيم والأخلاق. و إذ كان تاريخ هذه الطبقة يبرر لها أن تنأى بنفسها بعيدا عن تلك البيئات التي عانت فيها الأمرّين رغم علاقاتِ الشراكة التاريخية والاجتماعية والثقافية، فما ذا سنقول للطبقات الأخرى: المعلمين وإيكَاون وحتّى الزوايا.. أليسوا ضحية واقع اجتماعي مَرير هم الآخرون ؟ قد يقول قائل إن موقف الحراطين من معاناة أصولهم مُبرّر و لا مجال لمقارنته مع أي معاناة من نوع آخر، فهذا القول صحيح ولن يخالفه منصف؛ لكن لا بد أن يدرج في سياقه التاريخي وحيث كانت الدنيا كلها تقر ذلك الخطأ وتتمادى فيه، في حين أن معاناة طبقاتنا الأخرى هي معاناة لظلم محلي لا يقرّ به غيرنا وهو دليل على بداوتنا وتمجيدنا لأخلاق القوة والغلبة حتى في ظل البطالة وعدم الإنتاجية، وهو أيضا دليل على خطأ معاييرنا وعدم قدرتنا على التقييم الموضوعي للأدوار الجبارة التي كانت تتولاها بعض الطبقات الفعالة في مجتمعنا، والتي لو كان المنطق السليم هو السائد لكانت مبررا لعلوهم السلمَ الاجتماعي لا على العكس، وهي سلبيات مخجلة بدون شكّ، لكنها لم تكن تنفرد بحلبة الميدان؛ بل كانت تتعايش-وفي نفس الوقت-جنبا إلى جنب مع إيجابيات كثيرة ظلت تميز هذا المجتمع وتسيّر واقعه الاجتماعي كروح التسامح والتعاون وحب الخير ونشر قيمه وإجلال العلم والعلماء.

وخلاصة القول أن الحراك الاجتماعي والثقافي الحاصل على مستوى بلادنا في الوقت الراهن، يجب أن يتوج بحراك من نوع آخر يساهم في رفع الحرج عن هويتنا الاجتماعية ويعيد الاعتبار إليها باعتبارها الهوية العامة للبلد، وقد يكون لنا في ذلك مخرج من صراع الديكة المفتعل الذي تدور رحاه منذ الاستقلال بين إثْنِيات افتراضية كل منها تَدّعي هوية مفترضة عربية أو إفريقية أو أمازيغية في الوقت الذي تجمعنا فيه الهوية البيظانية بلا خلاف وهو أمر يوفر علينا كثيرا من الجهد والوقت الضائعين لاستثمارهما في ازدهار البلد و تطوره.

و الله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

كاتب الموضوع

نبيض اليراع

3 تعليق على موضوع : مجتمع البيظان .. وسؤال الهوية ..

  • اضافة تعليق
  • البيظان عنصرية مقيتة تعني الجل الابض فهل سمعت مجتمعا يحصر هويته في جلد ابيض اليس تقبل بهذا الطرح ؟

    ملاي الزين العربي حذف الخميس, 08 أغسطس, 2013

    اخي الكريم لمعلمين مولودين من روث حمار عزير ولا ستحقون إال ما اعطاهم المجتمع الموريتاني والحراطين ناس زينين عقولهم اجتماعية بشكل كبير حسب الأسواط التي يتربوا فيها وإن هيأ لهم المجتمع اجواء اجتماعية طيبة حصد منهم أناس محترمين للغاية في ساعة النفع و ساعة الضر اما ايكاون فهم لا يريدن مكانة غير المكانة التي هم فيها الآن وذيك كثرت الخبار خليها عنك .

    هذا للأسف كلام في غاية السقوط ولا يتمتع بأي مصداقية وهو مجرد نقل سطحي مباشر لسرديات اجتماعية غير صحيحة ومخالفة للعقل المنطق والدين ولحقيقة أن المجتمع الموريتاني بحاجة إلى كل أطيافه ولا ينبغي عزل أي طيف خارج معركة البناء بأي حجة أحرى أن تكون كهذه في تفاهتها وسقوطها ...


    الأبتساماتأخفاء الأبتسامات



    إتصل بنا

    التسميات

    أعلن هنا

    عدد زوار المدونه

    جميع الحقوق محفوظة لـ

    نبض اليراع

    2023