نبض اليراع نبض اليراع
twetter
recent

آخر المشاركات

recent
recent
جاري التحميل ...

المعارضة والحلول المستوردة



لطالما تحدث الكتاب والمفكرون عن العقلية الانطباعية التي تميز العقل المسلم بشكل عام والعربي بشكل خاص عن غيرهما من العقول التي انشغلت بمتطلبات المدنية وسعت جاهدة في سبيل التحضر ؛ فالعقل المسلم بشكل عام يبدو وكأنه قد استنفد إبداعاته في ما خلا من أيامه وسنيه ولم يعد لديه ما يضيفه إلى ما استجدَّ في عصرنا مما أبدعته العقول في زمن تسارعت فيه الإبداعات العلمية والتقنية  على أيدي مجتمعات من أعراق وأجناس  شتى, ولم يعد لهم من هم يشاركون ، من خلاله ، في معترك البناء الحضاري غير تلقف واستهلاك كل ما تدفع به إليهم مجتمعات العولمة وإن من غير هضم و استيعاب ، وكنا نحسب أننا في موريتانيا لا زال لدينا بعض عافية يمنعنا من الانجرار وراء ما تدفع به إلينا  مجتمعات العولمة  وما تُنتِجُه من نفايات إعلامية ضاقت عن استقبالها بلدان كثيرة من حولنا ولم يبق أمامها سوى من يتصور فيهم السذاجة أو الاستلاب الثقافي والحضاري ، لكن :

     ما كلُّ ما يتمنى المرءُ يدركُهُ    تجري الرياح بما لا تشتهي السفُنُ

فقديما استيقظ الموريتانيون على وقع الحلول القادمة من الشمال و المشرق وكأنها تكتشف سرّ طلاسم التخلف والبداوة وتُرسي دعائم التحضر وتُقدّم مفاتيح المدينة،  فكانت الحلول تتلاحق في شوارعنا وأزقتنا قادمة من أرض العالم الأول و الثاني ؛ حيث ظننا آنذاك أننا بتطبيقها قادرون على تدارك ما فاتنا من تقدم وما سبقنا به  الغرب وبعض مجتمعات الشرق من حضارة وعمران لكن هيهات  هيهات .. فلقد تبين أن الحلول الماركسية غير قادرة على كسب الرهان في بلاد الإيمان والإسلام  وأن مبدأ الكادحين الشهير " لا إله والحياة مادة " لن يستطيع اقتلاع شهادة التوحيد من أرض احتضنتها وسقتها بكل أحمر قانٍ، فأنبتت من المجد والسؤدد ما هيأها لعالٍ من المعالي بقوة وجدارة بين كل أولئك الذين تعرفوا على مخرجات ذلك التلاحم الفريد في أرض "البيضان" بين الأرض والمعتقد . ثم ما لبث العقل المنفعل أن جاءنا بحلول أخرى تتخذ من الإسلام شعارا قبل أن تستخدمه دثارا وكأنها تفتح أرضا يبابا من الدين لم تطأها سنابك خيل المرابطين قبل مئات السنين ولم تعرف جهابذة أسسوا فيها للملّة أركانا راسخة وبَنَوْا للدين أسسا قويمة وركائز باقية ستظل تتحدى جَنادِيعَ الزمن . فكان الشعار هذه المرة "الإسلام هو الحل" ومضمون هذا الشعار يقول شيئا آخر إن الذي نحمله إليكم هو الدين الصحيح وما كان قابعا في تجاعيد الصحراء منذ أيام المرابطين وحتى هذا الزمان ليس هو الإسلام بدليل أن البدع والتخلف كانا ديدن هذه المنطقة منذ عصور خلت ولو كان ما لديكم يا أهل الصحراء من إسلام صالح وصحيح لكان قدومنا بهذا الشعار نحمله من بلاد النيل وأبي الهول والأهرامات الخالدة والموميات العجيبة ...  لا معنى له . ولا عيب في الاستيراد طالما هو قد التزم بمتطلبات إعادة التدوير والإنتاج وفق معطيات الواقع ومحدداته الثقافية والتاريخية.

ونفس الدروب سلكها القوميون على اختلاف مشاربهم  وتنوع مرجعياتهم. واليوم تطلع علينا قيادات المعارضة من نفس الكوة التي دخل منها أسلافهم الأولون حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة مع اختلاف يسير مرده أن الشمال _ هذه المرة _  لم يعد مستعدا لتصدير الأفكار بعد أن مزقته تلك الأفكار وهدت أركانه وأحالته مِزَقا متناثرة بعد أن مكث حينا من الدهر بعبعا ضخما يصدر الرعب ويمارس البطش بشتى أشكاله ، وقديما قيل : "من مأمنه يؤتَى الحَذِر" ، فاستدار عبدةُ الشمال هذه المرة نحو المشرق والتقى الجميع حول استيراد ثورات باتت هي كل شيء بالنسبة لهم خصوصا وأن هذه الثورات قد مكنت بعض القائمين عليها في المشرق من كراسي كانت ، بالنسبة للكثير هنالك ، على رأس المطالب  التي تسترخص في سبيلها المبادئ وما سطّرت ، وتباع من أجلها الأوطان وما حوت ، فَجُن جنون معارضتنا وثارت ثائرتهم  وتنكروا للمبادئ والمواثيق كل ذلك لأن الحصول على السلطة غاية فوق كل  الغايات وفي سبيلها تكون الوسائل مهما كانت مبررة .

لم يعد منطق المعارضة الرافضة للحوار خفيا على  الجماهير ولم يعد طِلابهم للسلطة من أجل السلطة يحتاج إلى برهان ، بل لقد أصبح كالشمس في قائلة النهار ، وإذا ما عدنا إلى الوراء قليلا لنستبين المنطق السياسي الذي تعتمده تلك الزمرة في سبيل الحصول على السلطة ندرك بجلاء أنها تمارس الاستنزال التعسفي لواقع  الأحداث العربية دون الالتفات إلى المنطق الذي يحكم تلك الأحداث ؛ فلعنا جميعا ندرك أن السيد رئيس المعارضة هو الذي وقف مع التغيير غداة 6/8/2008 وظل يبرره وينافح من أجه وبضرورته وحاجة البلاد إليه، ويُوجَد في المعارضة المحاورة الآن من حاول أن يثنيه آنذاك، عن موقفه، فرفض وأبى وتعلل بحاجة البلاد  الملحة إلى التغيير وظل يؤكد أن تصرف الجيش لا لوم فيه ولا تثريب ، حتى إذا دخلت البلاد في عملية ديمقراطية شهد لها القاصي والداني بالنزاهة والسلامة من التزوير واعترف بها الجميع بما فيها قادة المعارضة وعلى رأسهم زعيمها الحالي .. يخرج علينا اليوم بعد أن تحركت مجموعة من الأطفال  في الشوارع استجابة لأوامر تلقى إليها من تحت السراديب المظلمة فيقف السيد زعيم المعارضة إلى جانبهم مطالبا بالرحيل .. فهذا أمر أقل ما يقال عنه إنه مثير للشك وباعث على الريبة ، والأغرب من ذلك كله تحالف أبناء الملتين المتناقضتين فلسفيا وأيديولوجيا ملة (الْكَدْحَة) وملة التوحيد وتماسكهم بالأيدي طلبا للتغيير ، وإذا كانت لافتة "الْكَدَحَة" ظلت ـ في بلادنا على الأقل ـ أكثر تمسكا بالمبدأ ووقفت مع قناعاتها أيام التغيير وبعده، فإن "مِلَّة التوحيد" ظلت تتلون مواقفُها وتتباين تصريحاتُها رغم أنها كانت تحسب إلى وقت قريب على المقربين  من الزعامة السياسية الحالية للبلد والتي كانت هي أول من اعترف بنتائج العملية الانتخابية التي جاءت بها إلى سدة السلطة ، ولقد ظلت تلك اللافتة إلى الأمس القريب وقبيل اندلاع ثورات المغرب العربي واقفة في الكفة الأمْيل إلى النظام ، ويحكى على نطاق واسع أنها كانت تريد المشاركة في الحكومة وبعد أن تأكد لها أن عزيز يريد أن تكون المعارضة معارضة خالية من لوث السلطة تطبيقا للفصل بين المؤسستين المهمتين اللتين تمثلان ركيزتي الديمقراطية الناجعة ، وحيث رأت تلكم القوى أن بعض تلك الثورات انتزع  الكراسي من تحت قادة بلدانها ...  هنا تحرك في نفوسهم الطمع وبات إسقاط الواقع العربي رغم اختلاف حيثياته ديدن تلك القوى وشغلها الشاغل . ولو تأملنا مليا واقع تلك البلدان لأدركنا أن البون شاسع بين واقعنا وواقع تلك الشعوب؛ حيث نعيش في وطننا مرحلة سياسية متطورة جاءت بحكومة منتخبة أمام الجميع وتحت منظر ومسمع الهيئات الدولية والعربية والإقليمية المختصة، وحيث لا زال النظام يعيش أوائل سنواته من مأموريته الدستورية الأولى عكس ما كان عليه واقع تلك الشعوب من ديكتاتورية وهمجية  واستبداد فردي .

 وبالتالي لا يسع المتتبع للواقع الموريتاني إلا أن يضع علامات استفهام عدة أمما التحركات التي تقوم بها المعارضة من حين لآخر رغم محدودية مرتاديها ، باعتباره تحركا خارجا عن سياقه وبدون مبرر ويسعى لبديل خارج قواعد تبادل السلطة المعهود في النظم الديمقراطية ، ولو طلب أولئك الأقوام بانتخابات مبكرة لكان ذلك أولى باعتباره مطلبا أكثر تفهما ، أما وأن يسعوا رأسا إلى الفوضى والاعتصام والثورات.. فهذا أمر في منتهى الاستغراب ، واستدعاء لحلول معلبة باتت روائحها خارج السيطرة لِتُفرض على شعب مسكين مسالم غصبا عن إرادته وكأن قدرنا يقول كونوا على استعداد مستمر فلن تمر بأرض أبي الهول والموميات الغابرة موجةُ زكام  إلا وملأ العطاس  جهاتِ موريتانيا الأربع .

كاتب الموضوع

نبيض اليراع

0 تعليق على موضوع : المعارضة والحلول المستوردة

  • اضافة تعليق

  • الأبتساماتأخفاء الأبتسامات



    إتصل بنا

    التسميات

    أعلن هنا

    عدد زوار المدونه

    جميع الحقوق محفوظة لـ

    نبض اليراع

    2023