نبض اليراع نبض اليراع
twetter
recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...

الثالث عشر أكتوبر : ولادة شعب وفطامه

يعود السيد رئيس الجهورية إلى البلاد وقد رأى بأم عينيه تشكل مرحلة جديدة من تاريخ موريتانيا السياسي في غاية الأهمية، ربما كان عامل الصدفة وحده هو الأكثر حضورا فيها ..
ذلك أنه لأول مرة يغيب رئيس الدولة بأسلوب قسري مفاجئ  فرضته ظروف ذاتية قاهرة ، وفي ظرفية تتسم بالحرج داخليا وخارجيا كهاته ، ولا شك أن رئيس الدولة شعر بخصوصية المرحلة وتصرف بحكمة بالغة يوم أن خاطب الشعب من مرقده في المستشفى العسكري، ومع أن ذلك الخطاب عمل على طمأنة الناس وجعل الأمور أكثر قابلية للتفهم إلا أن وجود الرئيس في فرنسا وما تلاه من غياب عن الإعلام جعل الشارع يستعيد شكوكه من جديد وبقوة أكثر، وجعل ملف الغياب يستخدم ذريعة لفتح كل الملفات العالقة أمام الشعب ، وبين يدي طرفين اثنين غير متكافئين ؛ طرف متردد عاجز فقد روح المبادرة ولا يمتلك القدرة على التحرك، انحصرت تصرفاته في مجرد ردود أفعال جزئية على الأحداث التي تسير من حوله دون أن يكون له فيها أي نصيب، وهو الطرف الموالي للرئيس ، وطرف فاعل ومؤثر ويمتلك الأدوات اللازمة لذلك سواء في مجال الإعلام أو القدرة على المبادرة وإثارة الشارع وتحريك اهتماماته من جديد وهو الطرف الذي تتصدره المعارضة بنوعيها المحاورة والممتنعة.
إن المرحلة الجديدة التي نتحدث عنها هنا هي قدرة الشعب الموريتاني اليوم – أكثر من ذي قبل - على ضبط أموره بنفسه ، وعدم قابليته للانجرار وراء القوى التي تتصدر الشأن العام سواء في المعارضة الصاخبة أو الموالاة النائمة ، ولا شك أن هذا نضج يذكر فيشكر؛ صحيح أن التوتر بات سيد الموقف ومصدرا للهَمِّ الْمُبَرّح مخافةَ أن تلدَ الأحداثُ التي ظلَّت تتفاعل، طيلة غياب السيد الرئيس ، وعلى مدار الساعة ، مفاجآتٍ من العيار الثقيل ، ولكن الله سَلَّمَ ، و الحمدُ لله على ذلك .
إن عودة رئيس الجمهورية سالما معافى حدث سار وبدون شك، ليس لكل موريتاني  غيور على وطنه فحسب بل ولكل إنسان يجد في نفسه ذرة من الإنسانية أو بقية من الحياء ، وهي بدون شك تمثل انتصارا للوطن على كل العقبات التي تَصَوَّرَ المرجفون أنها ستقف عقبة كأداء أمام مواصلة بنائه ، وحيث اعتبروها  فرصة سانحة لاختطاف الوطن والعودة به  إلى المربع الأول، لا سمح الله .
إن مرحلة ما بعد الثالث عشر أكتوبر وعودة السيد الرئيس من العلاج لأرض الوطن يجب أن تختلف تماما عمّا قبلها بالنسبة للجميع معارضة وموالاة  على حد السواء ؛ فالأحداث المؤلمة التي عشناها أياما متوالية على وقع الشائعات وهواجس الخوف من المجهول يجب أن لا تمرّ دون أخذ العبرة منها ، فلا بد أن تلد تلك المرحلة  خطابا سياسيا عقلانيا جديدا لدى  كل القوى السياسية الوطنية يضع في الاعتبار الهمَّ الوطني والمصالح العليا للبلد فوق كل الاعتبارات ، وفوق كل الحسابات الخاصة للأحزاب أو التكتلات  النقابية ، ويضع حَدًّا لمهاترات وتوترات أرهقتنا كثيرا دون أي مبرر غيرَ حُبِّ السلطة والسعي الجنوني وراءها، ولعل السيد / مسعود ولد بلخير رئيس مجلس النواب قد دَشّن هذه المرحلة منذ فترة خلت قبل أن تَستبدَّ أحداثُ الثالث عشر من أكتوبر المؤلمة بالمشهد السياسي للبلد؛ حيث دعا في مناسبات سابقة إلى النظر إلى موريتانيا ككيان للجميع أكبر وأهم من أن تهدر مصالحه من أجل تسجيل نقاط لغريم على غريمه ، وعاد بعد اتصاله هاتفيا بالرئيس أثناء غيابه للعلاج ليؤكد نفس الطرح وليبرهن من جديد على أنه الرجل الأكثر عقلانية والأكثر حرصا على سلامة الوطن واستقراره من بين رجالات السياسة في موريتانيا حاليا .
إنه من واجب كل الفرقاء السياسيين اليوم أن يبدؤوا مرحلة جديدة ليس من الضروري أن تذوب في خِضَمِّها الفوارقُ بين التشكيلات الحزبية أو تَمّحي في إطارها الخصوصيات السياسية فيصبح الكل موالاة أو الكل معارضة، بل المهم أن نتعالى بالوطن على الخلافات الحزبية أو السياسية بشكل عام، المؤدية إلى عرقلة التنمية وتبديد طاقات البلد في ما لا طائل من ورائه ، وآن الأوان أن لا يكون همنا الأول هو الحصول على مكتسبات من نوع ما ، أو تسجيل نقاط لجهة على حساب جهات أخرى، في هذا الوقت الحرج والدقيق من تاريخنا.
إن الآليات اللازمة لإدارة هذه المرحلة تتمثل في انسجام الجميع وراء الشرعية القائمة واتخاذ الاستعداد اللازم لتجاوز هذه المرحلة عبر انتخابات بلدية وتشريعية تليها انتخابات رئاسية يجب أن تكون مصدرا لاستقرار موريتانيا الجديدة وإرسائها على برّ الأمان وبأقل تكاليف ممكنة ، وحيث  يجد فيها الجميع ذاتَه من خلال ممارسة حقه في العطاء، من أجل  بناء موريتانيا للجميع حرة ومزدهرة .
ولا بد أن تخرج تلك المرحلة المنتظرة من تاريخنا السياسي المستقر بمؤسسات حزبية واضحة المعالم ، يتم الانتماء إليها من خلال المبادئ، وليس من خلال الأشخاص، كما هو حاصل اليوم؛ أي أن يكون الانتماء الحزبي انتماء لخدمة الأهداف الكبرى للأمة الموريتانية وليس لمصالح ضيقة يَتَغَيّاَهَا هذا الطرفُ أو ذاك من وجوده في موالاة أو معارضة ، ولا بد أن تكون الكفاءة والقدرة على الإنتاج هي المعايير التي توزع من خلالها مواقع القيادة وإدارة الشأن العام وليس القبلية والجهوية، أو ما يسمى في أدبياتنا المحلية بالتوازنات الخاصة، أو أي شكل من أشكال النفاق السياسي الكثيرة .
وغني عن القول أن غياب السيد الرئيس أوجد ثغرة في الدستور باتت بحاجة إلى العلاج والتدارك بعد أن مر على البلد أكثر من شهر وقيادته خارج الحدود الوطنية، وإذا كان لا يجوز اعتبار منصب القيادة شاغرا في حالات مثل هذه فإنه من غير المقبول أن تتعطل مصالح الأمة أو تتوقف عجلة تاريخها حتى يقضي السيد الرئيس نهمته ويعود من غيبته سالما غانما معافى، ولهذا فمن اللازم أن ينظر في نائب يدير المرحلة التي هي ليست فراغا فتؤول إلى رئيس مجلس الشيوخ ، وحري بهذا النائب أن يكون موجودا في أول المأموريات الرئاسية يعايش الأحداث ويساير مجريات الأمور حتى إذا احتاج إليه البلد في ظرفية طارئة  كهاته كان أهلا لإدارتها دون أن يَدخل البلدُ في أزمة لا يدري أحد طبيعة الخروج منها .
وإذا استطعنا أن نتدارك ذلك، وأن نستعيد مواقفنا الصحيحة تجاه تجاه ما يمليه عليا وجبنا الوطني ، فإننا نكون قد انتصرنا جميعا على عواطفنا وهواجسنا، وقد أقصينا من قاموسنا لغة الغالب والمغلوب في معركة ليّ الأذرع الخاسرة حَقاّ ، ونكون خرجنا من هذه الأزمة ولسان حالنا يقول : رُبَّ ضَارة نافعة .
وأخيرا يبقى أملنا في الله سبحانه وتعالى كبيرا بأن يحفظ بلادنا وأن يديم عليها استقرارها وأمنها، وأن يحفظ السيد الرئيس من كل مكروه وأن يسدد خطاه لما فيه صالح البلاد والعباد.

كاتب الموضوع

نبيض اليراع

0 تعليق على موضوع : الثالث عشر أكتوبر : ولادة شعب وفطامه

  • اضافة تعليق

  • الأبتساماتأخفاء الأبتسامات



    إتصل بنا

    التسميات

    أعلن هنا

    عدد زوار المدونه

    جميع الحقوق محفوظة لـ

    نبض اليراع

    2023