إ أضاعوني وأي فتى أضاعوا ... ~ يراع ـ البيضاوي

الاثنين، 3 أكتوبر 2011

أضاعوني وأي فتى أضاعوا ...




العرجي ..  الشاعر الذي أضاعه قومه :

لم يكن العرجي أول ولا آخر شاعر جنَى عليه شعرُه  فلقد جنى الشعر على كثير من الشعراء قديما وحديثا ، لكن ربما  كان العرجي من أكثر الشعراء دقة في  تصوير فاجعته  وتدوين محنته ..!

من هو العرجي  ؟

هو عبد الله بن عُمر بن عَمرو بن عثمان بن عفان بن أبي العاصي بن أمية بن أبي عبد شمس، على الأصح.  لقب بالعرجي نسبة إلى واد بالحجاز ذي نخل كثير يقال له العرج، كان يسكنه، وقد جاء ذكره في شعره مرارا:


  وهنا بالعرج  والغضا مسكني    قد شط عن ذلك من بالغضا


وثمة من يعتقد أنها تسمية لضيعة كانت للشاعر في الطائف فنسب إليها ، وعلى كل حال  فالعرجي شاعر قُرشي مجيد انتزع خلافة عُمَر بنِ أبي ربيعة  الشعرية بجدارة ؛ فقد  ذكرت الروايات أنه لما مات ابنُ أبي ربيعة نُعِيَ لامرأة من أهل مكة وكانت يومئذ في الشام ، فبكت وقالت: " من لأباطح مكة .. من يمدح نساءها ويصف محاسنهن ويبكي طاعتهن ..!" فقيل لها خَفِّضِي عليك لقد نشأ فَتًى من ولد عثمان على طريقته ، فقالت أنشدوني مما قال ، فأنشدوها من قول العرجي :


لقد أرسلت ليلى رسولا : بأن أقم      ولا تقربنّا، فالتجنب أمـثلُ


فانسلّت وقالت : هذا والله أجلُّ عوضٍ وأفضلُ خلفٍ .. الحمد لله الذي لم يضيع حَرَمَه .

ولد العرجي في حدود 75هـ / 694م  بالعرج ، وكان فتى أرستقراطيا ذا يسار؛ كثير الغلمان والخدم والإبل والقصور،  كما كان ينفق من ماله على الفقراء والمحتاجين في أيام العسر والشدة  ، لكنه أيضا عرف بالبذاءة والفحش والفجور ، وربما سعاده على ذلك ماله الوفير ومكانته الاجتماعية العريضة وجماله الباهر .


 فبت أسْقَى بأكواس أعَلُّ بها       أصنافَ شتّى ، فطاب الطعمُ والنسمُ


كانت للعرجي خصومات مع والي مكة محمد بن هشام  بدأت يوم أن كُلّفَ الوالي من طرف الخليفة هشام بن عبد الملك بإدارة شؤون الحج ، فهجاه  العرجي ،  وقال فيه :


 كأن العامَ ليس بعام حجّ      تغيرت المواسمُ والشكُولُ


ثم طفق  يشبب بنساء الوالي يتعرّض لهن كثيرا في شرعه، من ذلك ما يقول في أمه جيداء المذحجية  :


عوجي علينا ربة الـهودج         إنك إن لا تفعلـــي تُحْرِجِي


إني أتيــحت لي يمـانيةٌ           إحدى بني الحارث من مِذْ حِجي


نلبث حولا كاملا كلـه             ما نلتقـي إلا عــــــــلى منــهج


في الحج إن حجت،وما ذا مِنًى      وأهلـــه إن هي لـم تحجـج ؟


أيسر ما نال محب لـدى            بينِ حبيــــب قوله عــــــرج


نقض إليكم حاجة أو نقل           هل لـــي مما بي من مخرج


ويقول في زوجة هذا الوالي أيضا وكانت تسمى  جبرة المخزومية :


عوجي علي فسلمي جبرُ       فيمَ الصدود وأنتمُ سَفرُ


فَكَفَى به هجرا لنا ولكمْ        أنّا ، وذلك فاعلمي الهجرُ


لا نلتقي إلا ثلاثَ مِنًى        حــتــــى يشتت بيننا النّفْرُ


بالشهر بعد الحول نتبعه      ما الدهرُ إلا الحول والشهرُ


 لو كنتِ ما كثة عذرتكمُ      لبعادنا ، ولَكَانَ لي صبرُ


عن حبكم ونذرت صرمكم    حـينا،وهل لمتيّمٍ نـــــذر ؟


قالوا فلم يزل الوالي محمد بن هشام مضطغنا على العرجي بسبب هذه الأشعار التي يقولها فيه وفي نسائه، ومتطلبا سبيلا عليه حتى وجده فيه حيث   اتُّهم العرجي بدم فأمَرَ به وقيد ووضعه في الحبس وأقسم أن لا يخرج منه ما دام له سلطان فمكث فيه إلى أن مات سنة 120هـ / 738م .


يقول العرجي في معاناته تلك :


 أضاعُوني وأيَّ فَتىً أضاعوا      ليومِ كريهةٍ  وسدادِ ثَغــرِ


 وخـلوني  لمعترك المنايا        وقد شرعت أسنتها بنحري


 كأني لم أكن فيهم وسيطا       ولم تكن نسبتي في آل عمرو


 أجرر في الجوامع كل يوم       ألاَ لله مَظلَمَتِي وصَـــبري


عسى الملك المجيب لمن دعاه     ينجّيني فيعلمَ كيف شكري


 فأجزيَ بالكرامة أهل ودّي      وأورثَ بالضغائن أهلَ وترِي


قيل إن الإمام أبا حنيفة النعمان كان له جار في الكوفة يغني وكان كلما ثَمل  وطوحت الخمرُ برأسه  طفق يغني بأبيات العرجي هذه :


  أضاعوني وأي فتى أضاعوا     ليوم كريهة  وسداد ثغر


وكان ذلك كله يمر على مسامع الإمام طول الليل ، وذات ليلية فقد الإمام صوت جاره فسأل عنه مِن غَدٍ فقيل له أخذه العسس البارحة ، فدعا بسواده وطويلته فلبسهما وركب حماره نحو والي الكوفة عيسى بن موسى فقال له: إن لي جارا أخذه عسسك البارحة وحبسه وما علمت منه إلا خيرا ،فقال الوالي لجنوده : سلموا إلى أبي حنيفة كل من أخذه العسس البارحة ، فلما خرج الفتى دعاه أبو حنيفة النعمان ، وقال له  ألست كنت تغني يا فتى كل ليلة:


  أضاعوني وأي فتى أضاعوا     ليوم كريهة  وسداد ثغر


 فقال : نعم . قال الإمام : وهل ترانا  أضعناك ؟ قال : لا والله ، ولكن أحسنت وتكرمت أحسن الله جزاءك.

وربما كان العرجي يعول كثيرا على نصر الخليفة له إن علم بمأساته نظرا لأواصر القربى بينهما ؛ فيقول في ذلك :


   سَينصرُني الخليفةُ بعدَ ربّي     ويغضب حين يُخبرُ عن مساقي


  علي عباءة بلقاءُ ليسـت      مع البلوى تُغَيّب نصفَ سـاقي


 وتغضب لي بأجمعها قصيٌّ     قطينُ البيتِ والرمْثِ الرقـاق


 بمجتمع السيول إذا تنحى      لئام الناس في الشعب العـماقِ


ومن جيد شعره قوله :


وما أنس مِ الأشياء لا أنس قولَها      لخادمها : قومي اسألي لي عن الوترِ


فَقالت يقول الناس في ستَّ عشرةٍ      فلا تعجلي منه فإنك فــي أجــــــــــرِ


فما ليلةٌ عندي وإن قيلَ جـمعةٌ        ولا ليلة ُالأضحى ولا ليـــــــــلةُ الفطرِ


بعادلةِ الاثنينِ عِـندي وَبِالْحَرَى        يَكونُ سواءً مِنهما ليـــلةُ الــــــــــقـدرِ


يقال إن ابن أبي عتيق لما أُنشِد هذه الأبيات قال والله إن هذه الجارية لأفقه من ابن شهاب وإنها لحرة من  مالي إن رضي بذلك ألها .

6 التعليقات:

غير معرف يقول...

احسنت بوركت وسلمت يمينك

غير معرف يقول...

جميل ممتع بارك الله فيكم

غير معرف يقول...

بل قبيح لا يليق بمثلك

Unknown يقول...

جميلٌ و ممتعٌ و مفيد ، شكراً لك ��

Unknown يقول...

لطيف... احسنت

Unknown يقول...

تراث جميل ويعكس ماكناعليه وما صرنا ٳليه ...
هل ياترﯼ يعودالتاريخ ويكرر نفسه بمن هم اقوﯼ واشد وسمو طموح ورؤﯼ ....

إرسال تعليق

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Hostgator Discount Code تعريب بلوغر ـ تطوير وتنسيق : يحيى البيضاوي