نبض اليراع نبض اليراع
twetter
recent

آخر المشاركات

recent
recent
جاري التحميل ...

الدولة والمجتمع القبائلي في موريتانيا

تعود نشأة القبيلة إلى البدايات الأولى للوجود البشري حيث كانت القبيلة تمثل حاجة ضرورية وطبيعية للوجود الإنساني وما يقتضيه ذلك الوجود من أمن وطعام وتكاثر..
ولم تكن التجمعات الأولى للبشر تزيد عن مجموعات أسرية ضيقة كانت مغلقة على نفسها تتبادل المنافع والعلاقات الاجتماعية الأخرى فيما بينها ، وبتوسع وتمدد تلك التجمعات وتطور الحاجات البشرية مع ذلك التوسع لتتجاوز مجرّد حاجة البقاء والتوالد إلى حاجات أخرى أكثر بعدا تجريديا مثل المجد والسلطة والتنافس بدأ الصراع ينمو بين التجمعات البشرية ، وبدأت الحاجة تتبلور أكثر للانتماء إلى مجموعات أكبر عددا لتحقيق أكبر قدر من متطلبات الحياة المادية والمعنوية ، وهنا بدأت الخيوط الأولى للقبيلة في التكون .
ولهذا يمكن القول إن التاريخ البشري قد عرف التجمع القبلي  مبكرا ، وفي شتى أنحاء المعمورة، وليس صحيحا ما تداولته بعض الأوساط المعرفية  من أن القبيلة ظاهرة آسيوية وإفريقية فحسب، بل كل البقاع في الدنيا قد احتضنت هذه الظاهرة وتفاعلت على أديمها ، صحيح أننا نلاحظ اليوم اختفاء هذه الظاهرة في البقاع المتمدنة من العالم كما هو الحال في المجتمعات الغربية مثلا . بل إننا نجد أن البلدان العربية الأكثر تحضرا كانت ظاهرة القبيلة فيها أسرع إلى الاختفاء منها في غيرها؛ ففي الشام - مثلا- وفي مصر نجد المجتمعات قد تخلت عن القبيلة ، واستبدلتها بالانتماء إلى الأسرة، والمدينة أو القرية أو ما يسمى في مصر "البلدية" ، وكلما كانت المجتمعات ألصق بالبداوة كانت القبيلة أكبر حضورا وأكثر حيوية ؛ وهذا ما يفسر لنا طبيعة القبيلة كمفهوم ذي علاقة وطيدة بالحياة البدوية .
وهنا نتساءل عن مكانة القبلية في عصرنا الراهن ؟ ومدى قدرتها على الحد من نضج الدولة ؟ وهل في صالح مجتمعاتنا المحلية اليوم تلاشيها ؟ ولمن سينتقل دور القبيلة في حالة التخلص منها ؟  وهل الخطوات التي تمت رسميا في بلادنا من أجل الحد من تأثير القبيلة في عصرنا الراهن كافية أم تحتاج إلى جرعات أخرى أكثر تركيزا ؟
لقد لاحظنا في البداية أن حاجة الإنسان إلى التجمع في إطار قبلي كانت حاجة ملحة تمليها ضرورات موضوعية من جهة تتمثل في تأمين متطلبات البقاء والتكاثر  وأخرى فطرية غرائزية تنزع إلى التجمع  وتبادل العلاقات ، ولقد أكد الباحثون في علم الاجتماع أن الرأي التقليدي الذي كان سائدا لتفسير تكوين القبيلة والذي كان يحصر أسباب ظهور القبيلة في الجانب العرقي باعتبار أن كل أو غالبية أفراد المجتمع القبلي منحدرون من سلالة واحدة ، كل هذا قد ثبت ضعفه وعدم انسجامه مع واقع كثير من التجمعات القبلية ؛ وهو ما تفنده أيضا حالة الاجتماع القبلي في واقعنا نحن الموريتانيين بالذات  حيث تفسر السَرديات الاجتماعية سبب تكوين بعض القبائل لدينا  بالتحالف لدفع الأعداء أو من أجل نشر مبادئ معينة كما تقول مفردات بعض تلك السرديات فمسألة النقاء العرقي مسألة في غاية الندرة.
ويؤكد الفيلسوف البريطاني " راسل " أن هذه الطريقة  هي التي كانت سائدة في بداية تكوين التجمعات الكبرى حيث تضطر القبائل لزيادة صفوفها أمام أعدائها كما تجد الفروع المحتواة في الكيان الأكبر الجديد مصدرا من مصادر الحماية والمنعة، وعلى هذا النمط  أيضا تشكلت القوميات الكبرى كذلك ، وليس من الضروري أن يكون كل أفراد القبيلة ينحدرون من أب واحد ، ولهذا نجد أن ابن خلدون يقسم العرب رغم أنهم يعتبرون قومية واحدة  إلى تقسيمات أربعة كبرى : العرب العاربة، والعرب المستعربة، و العرب التابعة للعرب، وعرب مستعجمة. وفي محيطنا الاجتماعي المحلي كثير من الأمثلة التي تعزز هذا القول أيضا وتدعمه ؛ فليست لدينا قبيلة إلا وفيها من غيرها، حتى لقد يكون من لا ينتمي إلى جد القبيلة أكثر ممن ينتمون إليه، في بعض القبائل، وهذا دليل على أن النسب ( العرق ) ليس هو الأساس الأوحد للوجود القبلي، وكثير من هذه القبائل كان التجمع على الأفكار والدين هو أساس تجمعها وانتمائها، وكان للتصوف في ذلك أكبر الأثر، إذ قد أحدث من التلاقي على التقوى والعلم ما جعل القبيلة تبنى على أساس حضاري راق، تحل فيه القرابة الروحية محل القرابة الدموية التي تقوم عليها القبائل التي لم تشتهر بالتعلم ، وكثيرا ما يكون الانتماء في هذه الحالة إلى الطريقة انتماء فعليا، لا يختلف أمره في الحاضرة عنه في البادية، كما نرى اليوم في بعض البلدان الإسلامية، حين يكون للطريقة مؤسساتها التربوية والاقتصادية والاجتماعية، وتنظيمها الدقيق الذي هو أوثق وأشد ترابطا من التنظيمات السياسية المتمثلة في الأحزاب.
وليست القبيلة – في الأصل - سلبية في حد ذاتها بل إن السلبي فيها هو ما تضفيه من مَعانٍ وقِيّمٍ تَتجاوز حدّ الجانب الفطري فيها وهو ما يسميه  الدكتور عبد الله الغذامي بمصطلح " القبائلية " ويعني به التفكير السلبي الذي يسعى لتطوير قوة الكيان القبلي أو زيادة نفوذه  على حساب الآخر؛ أي ما تتحصن به الـ "نحن"  في وجه الـ "آخر" ممن هو خارج هذا الكيان ،  وإلا فإن الأدوار التي قامت بها القبيلة ولا زالت تقوم بها في بعض المجتمعات الراهنة أدوار ، اجتماعية وحضارية في غاية الأهمية ولها مكانتها المعتبرة في سلم الإنجازات التاريخية بل كان لها من الإيجابيات ما هو معتبر إذ أن تاريخنا في القرون الوسطى وما قبلها كمجتمعات عربية وإفريقية هو تاريخ قبائل.
ولقد تعاطى الإسلام مع القبيلة كمعطًى تاريخيٍّ له إيجابيات كبرى، ووظف ذلك المعطى في خدمة أفراده حيث جعل العاقلة عليها وأحْيَى في إطارها قيم التكافل الاجتماعي ونَظّم آصرة الرحم وأنشأ لها حقوقا في الميراث والزواج .. إلى غير ذلك . ومع هذا كله سعى للتخلص من السلبيات المرافقة للمفهوم القبلي ممثلة في النسب والتفاخر به والتنافر من أجله ، وسمى تلك القيم بـ  ( دعوى الجاهلية ) ، وحاول الإسلام في عهد النبوة المباركة إعادة ترتيب العلاقات الاجتماعية وإعادة تحديد مقومات الكفاءة الاجتماعية والتي كان يدور حولها الفعل الاجتماعي في محيطه القبلي، فجعل الدين من أهم دعائمها وليس النسب بل ومارس النبي صلى الله عليه وسلم في حياته تطبيق ذلك من خلال تزويجه لابنة عمته زينب بنت جحش من مملوك سابق لخديجة بنت خويلد (زيد بن حارثة) رضي الله عنهم أجمعين . وبتراجع المد الروحي للهدي النبي في الأنفس تراجع زخم تلك الإصلاحات وانتكس حالها ورجعت القبائلية متسلحة بقيّم الجاهلية الأولى ،ويعتقد الكثيرون من المؤمنين بالخطاب القبلي أن القرآن الكريم قد شرع هذا الكيان وجعل المحافظة عليه ضرورية لإدارة المجتمعات ويستدلون على ذلك بالآية الكريمة : ( يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلقْناكُم مِن ذَكَرٍ وَأُنْثىَ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ) والحقيقة أن هذا الخطاب خطاب قدري يَذكُر وقائع من صنع الله سبحانه لازالت واقعا حيا في حياة الناس يومئذٍ، ليتأملوا فيها عسى أن تذكرهم تلك الوقائع  بالله عز وجل، وليس خطابا شرعيا يقتضي المحافظة على هذا الواقع والوقوف عند رسومه ، بل هي   وصف لواقع موجود يُبيّن أن علة تقسيم الناس شعوبا وقبائل ، تتمثل في التعارف وليس التفاخر، ولا التعصب ولا التمايز، ولا ادعاء الفضل بعضها على بعض، كما تنطق بذلك نهايتها نطقا بينا ( إنَّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ )، إذ توضح مناط التفاضل والتمايز، وهو التقوى وحدها، وليس اعتبارا آخر، كائنا ما كان، ونظير ذلك قوله تعالى : (واللهُ  جَعلَ لَكُمْ منْ بُيوتِكُم سَكناً وَجَعَلَ لَكُمْ من جُلودِ الأنْعامِ بُيوتًا تَسْتَخِفُّونَها يومَ ظَعْنِكُم وَيَوْمَ إقامَتِكُم وَمِن أَصْوافِهَا وَأوْبارِهَا وَأشْعارِهَا أَثاثاً وَمَتاعاً إلى حِينٍ . واللهُ جَعلَ لَكُم مِمّا خَلقَ ظِلالاً وجَعلَ لكُم مِنَ الْجِبالِ أَكْنَاناً .. (   فهل يعني هذا أن نظل محافظين على جلود الأنعام أو أكنان الجبال لتكون البيوت الوحيدة التي تحظى بالشرعية لسكن الإنسان  باعتبار أن ذلك ورد في سياق آي الذكر الحكيم ؟ إن تعاملنا مع آيات التنزيل بهذا المستوى أمر في غاية البعد عن الشرع ومقاصده ، فهذه الآيات تمثل خطابا قدريا ولا يعني أبدا أنه يطالب عباده بالمحافظة على حيثيات هذا الواقع عبر المحافظة على شكل هذه النعم بعينها؛ إذ أن نعم الله –سبحانه- تترى على عباده وتتجدّد وتنمو مع حاجات الكائنات البشرية ، ومن هذه النعم  اليوم الثروة  المعدنية  ومنها كذلك القدرة المتجددة للذهن البشري في تحصيل العلوم والمعارف وفي إنشاء البنى التحتية وخدمة البشرية وحماية البيئة ، وليست الثورة الرقمية الحديثة في مجال الاتصالات  التي طوت المسافات الشاسعة بين أركان الدنيا سوى جزء من هذه النعم أيضا .
وفي مجتمعنا الموريتاني كان دور القبيلة واضحا في حماية الأفراد وتربية  الناشئة وغرس قيم الخير والبر والتعاون، غير أن كل ذلك كان يتم  على حساب الآخر فأنتجت تلك البيئة صراعاتٍ وعداواتٍ وحروباً أهلكت الحرث والنسل وظلت على مَرّ التاريخ حاضنة للتقاتل والتنابز ومصدرَ إزعاج حقيقي لا تُؤمَن بوائقُه ، حتى جعلت تلك الظروفُ البائسةُ بعضَ أقطابِ المجتمع وسَدَنتِه الروحيين من أمثال العالِم الرباني الشيخ سيديا  رحمه الله   يفضلون إدارة المجتمع من طرف النصارى للحدّ من بأس القبائل المتناحرة، ولم يتسن للقبيلة مع كل ما  فعلت من احتواء الآخر وسلبه كلّ شيء أن تؤسس دولة بل ظل الواقع القبائلي في بلادنا شبيها بألعاب الأطفال يشيد في أول النهار و تتداعى أركانه في آخره ، صحيح أن القبيلة في أرض البيظان ( موريتانيا ) خلقت نوعا من الثقافة المحلية لها طابعها المتميز في المجال الفني كالموسيقى ومقامات الطرب الحساني،  وفي المجال الأخلاقي والذوقي العام للمجتمع كأخلاق الشهامة والفروسية لدى القبائل ذوي الشوكة، وكشيم الزوايا لدى القبائل الزاوية صاحبة السلطة الروحية ، وأشرفت في حالات عديدة على إدارة مناطق محددة تحت إمرة بعض المشيخات القبلية موزعة على أجزاء شاسعة من مساحة الوطن إلا أنها ورغم ذلك كله لم تستطع أن تخرج من بوتقة الفكر القبلي ذي العصبية المركّزة وما تعنيه من إلغاء واحتواء ونفي وإقصاء إلى أن دخل المستعمر فانشغلت بمكافحته حينا من الدهر، ثم استسلمت في آخر الأمر  عسكريا ،  ومع ذلك فلقد حافظت  على بقاء  شخصية الفرد الموريتاني مشبعةً  بالثقافة القبائلية على مدى فترة الاستعمار وفي عهد الدولة الحديثة بعد ذلك ، ولا شك أن أداء بعض الأفراد في مجال الإصلاح الاجتماعي قبل المستعمر وبعده لم يسلم هو الآخر من تأثير الثقافة القبلية، سواءا كانت معه أو ضده ،مما ساهم في خلق واقع قبائلي يتأبَّى على الإصلاح ويرفضه ، بل ويكون دائما بالمرصاد لأي تحرك إصلاحي يريد أن يتحرك خارج نطاق الثقافة القبائلية .
وبمجيء الدولة المعاصرة كانت القبائلية جاهزة فاندفعت محفوفة بالشره، ومتسلحة بقيم الجاهلية لتحتوش ما استطاعت من مؤسسات الدولة ، فتقاسمت الدولةَ المولودةَ قسريا ، وتوزعت بعضُ القبائل الأدوار لتظل منفردة أو قريبةً من مراكز النفوذ في السلطة  دون غيرها  ، مما ساهم في جعل الدولة تنشأ كسيحةً عاجزة عن تجاوز الواقع المزري الذي تركنا فيه المستعمر  .
ولم يتقدم أي نظام رسمي عبر تاريخ الدولة الحديثة في موريتانيا بإصلاحات جوهرية تتعاطى مع الموضوع بشكل علمي وعبر خطوات مدروسة ، بل ظلت الدولة في فترات متفاوتة تعمل على تعميق وتجذير الثقافة القبائلية  وتسعى لتوظيف خطابها في أزماتها، وفي حملاتها الانتخابية ، وإن صدر عنها ما يعاكس هذا التوجه فلا يعدو كونه استهلاكا خارجيا أو ذرا للرماد في عيون البعض من المتذمرين في الداخل ، بل لقد ظلت القبيلة حاضرة حتى أثناء تشكيل الحكومات الرسمية حيث يتم مراعاة توزيع الحقائب تبعا لحضور قبيلة أو غيابها في معترك حزب الدولة، ولم يكن هذا حال الجانب الرسمي وحده بل ظلت الحركات السياسية والأحزاب الوطنية تتعامل بنفس المنطق وتفكر في أهدافها بالمنطق القبائلي ذاته ، تدني من له تواؤم مع تلك الثقافة وتبعد من لا يرضى عن تلك الثقافة بحجة المشاكسة والإزعاج وعدم الانسجام، فكانت تتم ممارسة ذلك التفكير على مستوى بيئتها  الخاصة ويطفو أحيانا مع بعض  الحملات الانتخابية ليمتد خارج محيطها الضيق بشكل أوسع  فساهمت هي الأخرى في تجذير الخطاب القبلي على المستوى الوطني بشكل أو بآخر  ، ولقد أثر  ذلك كثيرا على الوضعية الحزبية،  فأفرغت  الأحزاب من مضمونها الحقيقي بل ظلت  أحزابا فردية أو قبلية لا تسمن ولا تغني من جوع ، لم تستطع أن تساهم في خلق خطاب مستنير  يسعى  لترسيخ فلسفة اجتماعية ديمقراطية ترى في المصلحة العامة للبلد أمرا يستحق التقديم .وهنا قد  يتساءل البعض قائلا :  ما الفرق -أصلا - بين الحزب والقبيلة ؟ أوليس كلاهما تجمعا بشريا لخدمة أفراد ذلك الكيان فرادى وجماعات ؟ وإذا كنّا نسعى لإيجاد جسمِ حِزبٍ من عدم،ننفخ فيه فيصبح حزبا بإذن الله، فلماذا لا نتعامل مع أجسام لها تاريخ وبينها من الروابط والانسجام والمصالح ما يهيئ أفرادها للتعاون فيما بينهم  فنحييها علنا على الهواء، ونجعل منها بدائل لأحزاب قد يأخذ تشكّلها وقتا يضيع فيه الحرث، ويهلك النسل  ؟
صحيح أن كليهما تجمع بشري له أهداف معينة ، لكن الفرق الحقيقي في أن التلاقي حول تلك الأهداف يأتي في القبيلة فطريا وليس اختياريا ، وأن الأواصر والوشائج أوجدت في الجانب القبلي عصبية عمياء تستنفر لأتفه الأسباب  مما يخلق حمية جاهلية لحماية ذلك الكيان، ثم إن مبدأ التخلي عن الآصرة القبلية غير تلقائي، وليس واردا أصلا حتى لو اتضح للفرد بطلان توجهه القبلي إذ إن المثل الذي يجعل " يدك منك ولو كانت شلاء " لا يستطيع التخلص من غالبية الجسم إن كانت فاسدة ، بينما نجد العلاقة مع الحزب طوعية وفي أي وقت يمكن أن تنفصل إن حصلت مفاصلة للحزب مع المبادئ التي حصل التلاقي عليها أساسا، ولعل الفرق الحاسم أيضا يتمثل في أن التلاقي في الحزب كان حول أهداف عامة تسعى لخدمة المجتمع بأكمله بينما التلاقي القبلي كان لخدمة القبيلة ومكوناتها أو ما يتعلق بها . على أن الذي جعل الحزب نسخة من القبيلة هو القبيلة ذاتها وثقافتها السلبية ، فهي التي جعلت من العسير على المرء أن يفهم العمل خارج الثقافة التي عهد في بيئته القبلية البدوية ، فلما تحضر اصطحبها في الصورة المعهودة في الحاضرة، من غير أن ينزع منها مضمونها البدوي.


* نحو خطوات عملية :
إن طريق المجتمعات إلى المدنية لا يتم  - في اعتقادي - إلا من خلال التخلص من الفكر القبائلي وثقافته السالبة ، فالقبيلة  قد ظلت تخلق خطابا مغايرا للخطاب العام وتُنَشّئُ عليه أفرادَها على مرّ التاريخ ، مما يجعل أي خطاب يأتي في المراحل التالية عليه ، عاجزا عن الوصول إلى مستوى التأثير الذي وصل إليه ذلك الخطاب في نفسية الفرد وتكوينه الاجتماعي ، وهي زيادة على ذلك بيئة رسمية  للنزاعات والتفاوت الطبقي المقنن الصارم ، وقد ظلت  بامتياز حاضنة للميز العنصري ولازالت ثقافتها العنصرية الحاضرة في واقعنا المعيش غير قادرة على مواكبة الإصلاحات الجديدة في مجال الرق ومخلفاته البشعة، وفي مجال الديمقراطية و تساوي الناس أمام العدالة . وتجاوزُ القبيلة وثقافتها السلبية لا يتم من خلال التمني .. أبدا  ، بل لا بد لتجاوز ذلك الواقع الأليم من وضع خطة مدروسة لها جانب قانوني بحت وآخر ثقافي وثالث اجتماعي :
ففي الأول لا بد من وجود نصوص قانونية تلغي سلطة القبيلة المنتشرة على الأرض لتحل سلطة الدولة بديلا لها ، فالقبيلة في بلادنا دولة مصغرة لها شعبها وشعارها وتاريخها وحدودها الجغرافية حيث تمارس نفوذها في ذلك الحيز مانعة أن يتم استغلال ثروات تلك المنطقة أو الاستفادة منها في شيء إلا بإذنها حتى ولو بقيت معطلة من غير استغلال ، وهنا يظل من الضروري إيجاد نصوص تجرم أي حيازة للأراضي باسم القبيلة خارج طرق التملك القانونية التي تتم من طرف الدولة، وتجرم أي تحرك يتم من خلال القبيلة له علاقة بالمنفعة العامة كالسياسة مثلا ويفتح باب المقاضاة حول القضية أمام الناس يعطي الحقّ لأي شخص مهما كانت بساطته أن يشكك في أي تحرك يتم في إطار قبلي يسعى لتعطيل منفعة عامة أو حيازتها  فيتقدم بشكوى نافذة  نحو القضاء .
وفي إطار المسعى الثقافي يتم التركيز على نشر ثقافة واعية في المراحل الابتدائية والثانوية تعلي من شان الأمة وتحد من شأن القبيلة وتبين سلبياتها عبر التاريخ و تضع القبيلة وثقافتها بشكل عام في إطارها الشرعي والتاريخي . ولن يكتب لتلك الإصلاحات أي نجاح إلا بعد أن يوجد المجتمع المدني مؤسسات بديلة للمؤسسات الخدمية التي كانت تشرف عليها القبيلة  إذ يتحتم  خلق بدائل لإدارة تكافل اجتماعي بديل عبر مؤسسات مدنية خَيْرية واجتماعية تشرف عليها مؤسسات رسمية ومدنية تسعى لمساعدة المحتاجين ومؤازرة أصحاب الفاقة و ذوي الحاجات الخاصة ، وفيما عدا هذا يترك للقبيلة الحرية في إدارته ومعاطاته وسنجد أنها ستنكمش وتتقلص في الحدود المطلوبة حضاريا واجتماعيا وشرعيا .
وكل ذلك يتطلب قيام دولة عادلة تسعى في مصلحة الفرد وخدمته وتحقيق مصالحه أكثر مما تسعى فيها وتحققها القبيلة، فتحميه، وتعطيه، وتعلمه، وتعدل بينه وبين غيره، وما لم يوجد هذا فلن تكون لدينا دولة بالمعنى الصحيح ، ولن نكون قادرين على العمل خارج ثقافة القبيلة.ولو وجد المرء حوله كومة بهذه الأوصاف لما زاد انتماؤه إلى القبيلة عن الحدود المحمودة شرعا وأخلاقا.
وإذا لم تتم معالجة وضع القبيلة الراهن وتصحيح ما فيه من أخطاء  وتلافي ما يعجّ به  من سلبيات  سينقلب واقعنا في المدى القريب أو المتوسط .. إلى دولة طائفية تتحكم فيها الطوائف والأعراق وتعوق  حركتها نحو النماء والتقدم .
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ،،،

كاتب الموضوع

نبيض اليراع

1 تعليق على موضوع : الدولة والمجتمع القبائلي في موريتانيا

  • اضافة تعليق
  • أخي يحيى سلام عليكم:
    لو تركنا القبيلة وأقمنا عليها "مأتما وعويلا" فما هو البديل ؟هل تعتقد ان البديل سيكون دولة خائرة عاجزة يتناهبها اللصوص وسراق المال العام ؟ وأنا أعتقد أن وجودك خارج البلاد يجعل كثيرا من واقع البلد القبلي والرسمي غائبا عنك .. فلو تسنى لك أن تزور المستشفيات ( سلمك الله ) لرأيت الكوارث ولتأكدت من أن الدولة لا يعول عليها في شيء . ولو تسنى لك أن تتجول في شوارع نواكشوط حيث المتسولين أوتزور الكزرات أو أحياء الصفيح لعلمت أن القبيلة لا يمكن أن تتخلى عن شعبها كما تقول أنت ، ولو توقف التكافل الاجتماعي الذي تديره القبيلة بين أفرادها لسمعت عن المجاعات والموت جوعا ومراضا ...
    ثانيا : كلامك عن التصوف لا ينسجم مع أفكار المقال النيرة فمتى كان للتصوف دور في تكوين القبائل ؟ أو لم يكن له الدور الأكبر في نشر قيم التخلف والاتكال على الغير والظلم وسرقة الضعفاء ؟ أما يكفينا من الدجل ما سجله تاريخنا ؟ حرام عليكم أن تظلوا متشبثين بخزعبلات لفظها التاريخ فعن أي تصوف يمكن أن نتحدث أخي الفاضل ؟ أوليس التصوف هو الذي أفقر الناس ونشر فيها قيم التخاذل والتواكل والجهل واحتقار الإنسان وقدراته التي أعطاه الله ؟ أو ليس التصوف هوالذي نشر عبادة الأفراد وجلد الذات والسحر وقيم الشغوذة في البلد ؟ .
    أرجوكم أن تعيدوا التأمل مرارا في مواقفكم تجاه التصوف .والله يهديكم ويصلح بالكم .


    الأبتساماتأخفاء الأبتسامات



    إتصل بنا

    التسميات

    أعلن هنا

    عدد زوار المدونه

    جميع الحقوق محفوظة لـ

    نبض اليراع

    2023