تتوالى التغييرات وتتلاحق المستجدات في واقعنا الموريتاني وتعلو صيحات التغيير ومطاردة الفساد في الداخل وتصطك الآذان بهدير الإصلاح ووقع الملاحقات من هنا وهناك ، و تنتشر رياح التغيير في العالم من حولنا، وتطال القمم قبل السفوح، وتهدّ العروش، وتقوّض الأنظمة الواحد تلو الآخر،ويبدو كل شيء في الوطن ومن حوله، قابلا للتغيير، ومستعدا لمغادرة واقعه نحو واقع آخر، إلا المؤسسات التي
توكل إليها مهمات الحج في بلادنا ؛ حيث تبدو وكأنها غير معنية بما يعج في محيطها الإقليمي والدولي، وغير مبالية بالصخب الحاصل في البلد جراء التغيير الممنهج والذي انطلق مع بداية العهد الجديد ، حيث لم تزل معاناة حجاجنا مستمرة كلّ سنة ، وفي كل مرة تَعِدُنا الجهات المعنية بتغيير ذلك الواقع تكون مشاكل السَّنة الموالية أكبر من أختها التي انقضت ، ونحسبها قاصمة للظهر .. لكن ما تلبث الأيام أن توقظنا على ما هو أدهى وأمر في مسوم السنة القادمة ... وهكذا دواليك . ترى ما سر هذه المعاناة ؟ و ما هي طبيعية المشاكل التي يعاني منها حجاجنا الميامين ؟ وهل يمكن أن نتصور حلولا لتجاوز ذلك الواقع وما هي حيثياتها ؟ لقد بذلت الجهات المعنية بتسيير الحج، في المملكة العربية السعودية، جهودا جبارة، ذللت فيها كل الصعاب، وخلقت المستحيل، وأوجدت بيئة متماسكة تنحصر وظيفتها الأساسية في جعل الحج عبادة على شكل سياحة، يتمتع فيها الحاج بأداء نُسُكه وفي أجواء من الراحة والطمأنينة عالية . وتبدو معاناة الحجاج الموريتانيين منحصرة أساسا في السكن وانضافت إليها - هذه السنة- مشكلة النقل ، ولا شك أن مشكلة النقل جاءت ، هذه السنة ، مباغتة وعلى غير عادتها باعتبار أن مؤسسات الأدلاء والطوافة -أصلا- هما اللتان تتوليان النقل، مقابل رسوم مسبقة تدفع عند منافذ الدخول، أو قبلها ، ومسألة النقل غير قابلة للأخذ والعطاء، وكلما هو مطلوب من الجهات المشرفة على البعثات ينحصر في التنسيق واحترام توقيت التفويج حسب الخطة المحددة ، وما يحصل فيها من مشاكل هو في الغالب ، بسبب عدم الالتزام بالتوقيت المحدد ، وبالتالي فإنما حصل هذه السنة يندرج في إطار الأخطاء العابرة، ومع أن جهات الإشراف الموريتانية تتحمل النصيب الأوفر من تلك الأخطاء إلا أنها قد لا تتكرر باعتبار أن ثمة جهات رسمية عليا في إدارة الحج السعودية لديها متابعاتها الخاصة والتي قد تطال البعثات ذاتها ، وقد لا تسمح بتكرار تلك الأخطاء مستقبلا ، ويبقى السكن أكبر مصدر يزعج الحجاج الموريتانيين حيث تتولى البعثات عادة عقودَه واختيارَ مواقعه سواء في المدينة المنورة أو في مكة المكرمة، أو في المشاعر المقدسة . بيد أن المشكل الأساس يتمثل في الجهات التي تتولى الوساطة بين البعثات والمقاول المحلي حيث تتعدد مستوياتها وتمر بأكثر من شخص قبل أن تصل إلى الجهات التي تتولى إبرام العقود وكلما كثر عدد الوسطاء كلما ازدادت التزامات الحاج وأُثقل كاهله بزيادات باهظة باعتبار أن كل وسيط سينال عمولته على حساب الحاج، وأخيرا أصبح ثمة صراعا مكشوفا حول من يتولى الوساطة ، تتدخل في استمراريته وتغذيته جهات محسوبة على وزارة الشؤون الإسلامية المكلفة بالحج . ويبدو أن الحجّ في سنتنا هذه تصارعت فيه ثلاث قوى أوصلت الحجاج لظروف مأساوية وغاية في الصعوبة وبعض هذه الجهات قد يكون دخل الصراع بدافع حسن النية والتخفيف من معاناة الحجاج، وفيها من قد تكون له مآرب أخرى ؛ فالجهات الأولى برئاسة الأمين العام للوزارة وهي لأول مرة تتولى إبرام عقود السكن وحاولت أن تراعي فيه معايير خاصة لم تكن حاضرة من قبل مثل الجودة والقرب من أماكن العبادة ، وأن تكون التكاليف أقل، نظرا لما قامت به من تقصٍّ لتفادي تعدد الوسطاء الموريتانيين الذين يزيدون العبء عادة على كاهل الحجاج، ولانتقاء أنسب الأماكن في الوقت ذاته ، ولكن ذلك لم يمنعها من حصول بعض الأخطاء المتعلقة بالمدة الزمنية؛ إذْ لم تتلاءم فترة العقد مع الرحلات المقررة من موريتانيا إلى البلاد المقدسة ، ويبدو أن الأمين العام حاول استدراك ذلك الخطأ، لكن ثمة جهات أخرى كانت تتولى تلك العقود منذ سنوات لم يرق لها أن تمرّ أمور العقود وسكن الحجاج من دونها بسلام فرفضت استدراك ذلك الخطأ وأرادت أن تجعل من "الحبة قبة" كما يقال وهذه الجهات برئاسة مستشار الوزير لشؤون الحج ، ومارست على أرض الواقع أخطاء أرادتها أن تدرج في حساب الجهات الجديدة ، ويقال إنما حصل من غياب الناقل وعدم انضباطه كان من تسويفها بغية زيادة المشاكل وتعقيدها ، والجهة الثالثة تتمثل في القنصلية التي كانت تتولى تسيير الحج ما قبل الأعوام الأخيرة ويبدو أنها وقفت تتفرج هذه السنة رغم خبرتها الكافية لتلافي تلك المشاكل ، وهي وإن لم تكن لها يد مباشرة في تأزيم الأوضاع إلا أنها بالتأكيد قد لا تكون منزعجة وهي ترى الجهات التي أخرجت الحج من يديها تدخله في متاهات وتسلك به مسالك غير محمودة . وينتقد بعض المراقبين هنا مواقف الوزير وبطأ تحركه بل وعجزه عن اتخاذ القرار وهو يعيش وسط الأزمة ويرى خيوطها تحبك أمام ناظريه ، ويتندرون عليه إذ يقولون إنه والبعثة المرافقة له ألجأهم المسير وبُعدُ الشُّقة للدخول على المخيم الكويتي وأن الكويتيين ضاقوا به ذرعا وطردوه من مخيمهم في مِنًى . ترى ما هو المخرج من هذه الدوامة، وما تحيل إليه من صراعات ومصالح متضاربة ؟ إنّ تكرار معاناة الحجاج، وانتهابهم من طرف جهات الإشراف، مع سوء معاملتهم ، أمر لم يعد مقبولا وبات من اللازم اتخاذ قرارات جذرية للتخلص من هذه الوضعية الأليمة التي يتعرض لها أناس فيهم العجزة والنساء وفيهم من أنفق عمره وجهده ، من أجل أن يؤدي نُسكه في ظروف مرضية ، ولا بد أن نستفيد مما تقوم به دول أخرى قد لا تكون أكثر قدرة منا ولا أكثر تقدما ، حيث بات من الضروري أن تتخذ الحلول على مستويين اثنين : الأول : أن توجد إدارة مستقلة تتولى تسيير الحج والتخطيط له ، وتعنى بإدارة المؤسسات المعنية به ، وتكون مستقلة تماما عن بؤر الصراع التقليدي بين الوزارتين اللتين تولتا إدارة الحج فيما مضى كالخارجية والشؤون الإسلامية. الثاني : أن تتولى هذه الجهة تأجير مساكن على مدار السنة في المدينة المنورة ومكة المكرمة ، فهذا ما تقوم به دول أخرى على مستوانا إن لم تكن أضعف منا، وعملية التأجير السنوي هذه قد تكون مربحة ، مع أن الفائدة منها ليست ربحية ، فهذه المساكن قابلة للتأجير في زمن العمرة التي أصبحت مواسمها متواصلة على مدار السنة ، هذا شرط أن تتفادى الجهات المعنية تعدد الوسطاء والجهات التي ستتولى التأجير والإشراف ، فحينئذ قد تخرج المسألة عن طورها وتكون منفذا جديدا للنهب والاستيلاء على الأموال العمومية أيضا . وثمة خطوة ثالثة قد تكون لها علاقة ـ أيضا ـ براحة الحجاج حيث تتعدد الشكاوى من طرف حجاجنا من تزاحم المقيمين من جاليتنا معهم في مخيمات مِنًى بالتحديد ، وهو أمر يستحق النظر إليه وإيجاد مخرج له يريح الحجاج ويخفف من معاناتهم، ويُلبّي بعض مآرب المقيمين من جاليتنا الكبيرة المقيمة على أرض المملكة ، حيث من المستحسن في هذا الصدد أن تأخذ الدولة رسميا حصتها من الحجاج كاملة والتي قد تزيد على (3500 ) حاج ، فتفتح باب التسجيل لدى قنصليتها بجدة، و بأسعار مقبولة ، لتكميل عدد الحجاج الفعلي القادم من أرض الوطن والذي لا يتجاوز عادة حدود الألفين ، وحينها تكون قد رمت عصفورين بحجر واحدٍ ، إذْ فتحت بابا أمام عدد معتبر من جاليتها لأداء الحج وبطريقة حضارية لا تزعج البلد المضيف ، وتكون قد خففت على حجاجها أيضا ولم تسمح للمقيمين بمضايقتهم باعتبار أن مشاركة المقيمين للحجاج في بعض تكاليف الحج ستسمح للجهات المعنية بزيادة المخيمات في مِنًى حيث يمنع الافتراش ويحصل الازدحام في المخيمات اضطرارا . ولا بد أن تُشرك القنصلية والسفارة في إدارة مُناسبةٍ كهذه ،يؤمّها آلاف من المواطنين وبعضهم في غاية الضعف والتخلف والجهل بأمور المدنية والحضارة ، باعتبارهما الواجهة الرسمية المسؤولة عن تمثيل المجتمع لدى السلطات المعنية ، وأكثر قدرة على متابعة كثير من القضايا المحلية بحكم وجودهما في البلد المعني على مدار السنة . ولو اهتم البرلمان بغرفتيه بمسألة الحجاج وقام بمتابعتها سنويا ومساءلة القائمين عليها ، لكان ذلك أولى وأقرب إلى الصواب .
4 تعليق على موضوع : هل ستتواصل معاناة الحجاج الموريتانيين كلّ سنة ؟
يستاذ بلاش كثرت الخبار هي الدول عطات للوزير ومستشار الحج بقظه وقظيظه وخلت بينهم وبينه وهم شغلو فيه أصحابهم و حطو الباقي فلجيوب خلاص انتهت المشكلة
هي ليست فظة الدولة اخي امها اموال الحجاج التي دفعوها ثمنا لحجهم يجب علي الدولة ان تتعامل مع هيئات قادرة علي تطبيق الاتفاق والاستجابة لحاجة الزبناء الحجاج
ما فيه حد يتولى شيئ الا أكل
مقال جميل ...وأضيف رغم أن العددقليل والمال موجود لماذا لايرفع المقيمين عريضةللرئيس ولو عبرالنت موضح فيها كل النقاط ومايمربه الحجاج من مآسي مردفة بأنجع الحلول...وأضيف أن استغلال الحجاج للأسف مشترك بين أصحاب الوكالات هنالك وبعض المقيمين في السعودية..وهنا أسال سؤال محير متى ينفك أدء النسك واصطحاب التاجرات إلى بلد الحرمين مع الشوائب التي تلحق بهم وبنشاطهم؟؟؟؟.
أبو المنذر:
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات