إ الحوار الوطني : فن إدارة الاختلاف .. ~ يراع ـ البيضاوي

الأربعاء، 19 أكتوبر 2011

الحوار الوطني : فن إدارة الاختلاف ..

لو قُدّر لهذا الوطن أن ينطق بلسان فصيح : لتأوّه واشمأز من حالته السياسية التي طال ليلها وباتت تطحن بكلكلها الثقيل الوطن وما حوى، ولصاح بملء الحناجر: أما آن للّيل أن ينجلي ؟ أما حان للفجر أن يأتي ؟ أما آن للقيد أن ينكسر.. ؟

 لقد طال واقع هذا الوطن كثيرا، وحان لمآسيه أن تنتهي، وآن للمعنيين به، أن يضعوا حدا لتلك الآلام وتفاعلاتها، وأن ينطلقوا في مسيرة بناء الوطن بغية خلق واقع مختلف عما هو قائم ، قادرٍ على أن يجلب البناء للوطن ويمنح الحياة الكريمة لساكنته ، قبل أن يلفظهم الشعب  ويلفّهم التاريخ في مزابله ..

لقد ظلت بعض نخبنا الوطنية في مؤسسة المعارضة تمثل العائق الأكبر أمام حراك منسجم يسير صوب البناء، ويدرك مخاطر التحديات الجمة التي تتربص بالبلد،  صحيح أنّ  المعارضة تمثل جزءا من مفردات الديمقراطية المعاصرة لكنها قد تكون حاجزا وعائقا أمام الوصول بالديمقراطية إلى مقاصدها والابتعاد بها عن أهدافها الحقيقة نحو شكليات مفبركة تنحصر غاياتها في سبيل الوصول إلى السلطة ، وهذا ما تمارسه بعض القوى المعارضة للأسف ، في بلادنا ، وكأنها لا تحسن غير ذلك.

لقد عبرت الجهات الرسمية عن وطنيتها وقدرتها على الاقتراب من الجميع من خلال مواقف عدة من بينها: مكافحة الفساد والشفافية في إدارة المال العام، وتوزيع الثروة الوطنية بشكل عادل ، ومن خلال جهودها الموفقة في سبيل استعادة هيبة الدولة وحماية أمنها واستقرارها ،  ولعل إدارتها لهذا الحوار الأخير كان دليلا على رغبتها في تجاوز واقعنا السياسي الذي ظل يمثل حاجزا منيعا أمام انصهار الجهود الوطنية كاملة وبدون استثناء في سبيل خدمة قضايانا الوطنية.

 ولو قدر للأطراف كلها أن تستغل النتائج  التي أسفر عنها ذلك الحوار بشكل حقيقي وبعيد عن اقتناص الفرص لتسجيل نقاط في الحسابات الخاصة، لاستطعنا أن نخرج من دوامة كرّستها قوى المعارضة فترة من الزمن، فلقد انشغل كثير من قوى المعارضة للأسف بالتهريج والعبارات الفارغة وشغلت النظام القائم بممارساتها الكلامية الفجة ، ولم تكن على المستوى يوم أن هُددت حرمة تراب الوطن وكان الإرهاب قاب قوسين أو أدنى من هتك حرمات الآمنين وتدمير بنى الوطن والعبث بمقدراته ، ولم تكن المعارضة على المستوى يوم أن تحركت بعض العقول المريضة لاستنساخ المشاكل القائمة في بعض البلدان العربية والتي ظلت أوضاعها راكدة لعشرات السنين تديرها عوائل فاسدة وكأن بعض العقول ( لدينا ) لا تحسن غير استنساخ التجارب وتكرار بنائها ..  ولم تكن المعارضة على المستوى يوم تحركت أيادي آثمة للعبث بوحدة شعبنا وتماسكه وانسجامه حيث كانت تبادر لتسجيل مواقف داعمة للتك الجهود، في كل مرة، ظنا منها أن ذلك يرفع من رصيدها الانتخابي، ويزيد من حظوظها في الوصول إلى السلطة. وهو حلم ينبغي الإقلاع عنه لبعد مناله طالما أن تلك القوى لا تضع في أولوياتها مصلحة الوطن .

 لقد آن الأوان لينتقل الصراع السياسي بين المعارضة والموالاة إلى مستوى من الممارسة أكثر نقاء وأبعد عن الشخصنة وأكثر قدرة على لمس مشاكل الوطن  من أجل إدارة حراك وطني  نظيف لا يساوم على المصلحة العليا للبلد ، وحري بمعارضتنا أن تدرك أن السياسية – كما يقول ساسيمون- "ليست دهاء ولا تهريجا بل هي علم الإنتاج" ، إذ نحن بحاجة إلى الإنتاج الفعلي من أجل البناء وتجاوز الواقع المزري لبلد مليئ بالثروات الطبيعية ويحوي ساكنة قليلة تنتشر في مساحات شاسعة لا تزال تعيش مستويات خدمية متدنية ، ولا زالت البنى التحية من صحة، وتعليم ، وشوارع، ومياه، وكهرباء ،معدومة . ولو قدر لنا أن ندير قدراتنا الوطنية بعيدا عن الوصاية الأجنبية ووفق مصالحنا الخاصة لكانت أحوالنا غير تلك التي نراها الآن في الشوارع والأحياء الفقيرة والمستشفيات الفارغة من معاني الرحمة والإنسانية .

فهل ستستوعب القوى السياسية الدروس المستخلصة من هذا الحوار .. أكثر من ذي قبل  ؟ أم  أن حليمة ستعود لعادتها ..؟

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Hostgator Discount Code تعريب بلوغر ـ تطوير وتنسيق : يحيى البيضاوي