إ هل انتهت الأزمة السياسية في مورتانيا ...؟ ~ يراع ـ البيضاوي

الأربعاء، 9 سبتمبر 2009

هل انتهت الأزمة السياسية في مورتانيا ...؟

بدا لمراقبي الشأن الموريتاني بعد الثالث من أغسطس من عام 2005 أن الوضع الموريتاني المستتب من ذو عقدين من الزمن ـ تقريبا ـ على حالة من التململ الداخلي، بدا لهم وبشكل واضح أنه، آيِلٌ لا محالة إلى حراك قد ينتهي في حالة من المخاض المؤلم. وإن لم يجد رعاية حانية وهمة راشدة فلن يستقر على المدى القريب؛ فموريتانيا تأخذ حيزا من القارة السمراء يعرف تجاذبا و تنازعا إقليميا واجتماعيا حادًّا، ولولا أن الشعب الموريتاني قد عاش عمره على نزاعات قبلية داخلية أنهكت قواه وأخرت قيام أي شكل من أشكال الدولة فيه حيث تولد عن ذلك ـ على ما أعتقد ـ ميل طبيعي إلى الاستقرار، وهو ميل قد صنع ثقافته الخاصة به،كما أنه ظل يجد سنده في العقيدة الدينية الراسخة في البلد ...فلولا ذلك الإرث الثقيل لكانت موريتانيا قد اتخذت أشكالا أُخَر من الصراعات لا تحسد عليها أبدا . فلم يشك أحد أن انقلاب العقيد اعل ولد محمد فال لم ولن يكون الأخير أبدا باعتبار أن الرشد السياسي و النضج الوطني قد تأخر كثيرا بفعل الفقر والتخلف وغياب مفهوم الوطن، خصوصا وأن التيارات السياسية الراشدة باتت في البلد كبريتا أحمر يذكر ولا يرى، ولم يعد هم الموجود منها سوى جني الأموال من الخارج وانتزاع الحظوة في الداخل لأبنائها والمقربين منها على حساب المناوئين لها بل على حساب الوطن، يظهر ذلك جليا في تقربهم من السلطة إن غازلتهم حيث تتم الهرولة العمياء على حساب المبدأ والمنطلق وحيث نجد المصالح العمومية تسخّر لفئة قليلة تستأثر بها دون سواها . وبعد أن دخل السيد سيدي محمد القصر الرئاسي تحت لافتات عريضة روجت لها المؤسسة العسكرية وبعض النخب الوطنية اعتقد البعض أن الاستقرار قادم، غير أن الرجل ما لبث أن انجذب وراء إرادات تملى عليه بكرة وعشيا تفتقر إلى الخبرة وقراءة الواقع قراءة متأنية غير عاطفية، ولعله لم يقرأ يوما للمتنبي أن " الرأي قبل شجاعة الشجعان " فشق الإجماع وانحاز إلى تلك الأصوات خارقا الاتفاق الضمني الحاصل بينه وبين المؤسسة العسكرية . ولقد أكد كثير من المراقبين والمهتمين بحالة البلد أن سياسة الرجل كانت في غاية الضعف، ولم يكن الفرقاء في المعترك من حوله على قدر من الحكمة بل لقد كانت سياسة الانتقام تدور برؤوس الجميع، ولقد بلغ الحمق ذروته عند المنددين بالانقلاب إلى أن فكروا بل وطالبوا بتدخل دولي، وهو أمر لا يشك أحد في حماقته وسفاهته . والحقيقة التي باتت واضحة للجميع أن الذين عارضوا الانقلاب عارضوه بدافع المصلحة الشخصية، ورغبة في أن لا يستأثر أحد عنهم ببعض المصالح، أو استجابة لرغبة انتقامية كما هو الحاصل لكلا الطرفين بما فيهم تحرك قادة الجيش صبيحة السادس من أغسطس . وهنا أود أن أشيد بالجهود الطيبة لبعض جيراننا خصوصا في المغرب والسنغال حيث تفهموا الحالة الموريتانية جيدا واقتربوا منها أكثر، لكن علينا أن نتساءل هل انتهت الأزمة الموريتانية أم أنها مستمرة ؟ ومن الذي استفاد منها، حقًّا ؟ . يبدو من خلال المعطيات الحالية أن الأزمة الموريتانية ستتواصل طالما أن الشعب مغيب عن المسرح، ويتحرك بالنيابة عنه أفراد في الأحزاب، أو الحركات المرتبطة بأجندة خارجية، أو في مؤسسة الجيش ... ولكن ستتغير الأساليب التي ستدار بها تلك الأزمة مستقبلا؛ حيث سيتحول الصراع إلى المؤسسات المدنية الهشّة أصلاً لتتواصل الانقلابات هذه المرة في البيئة المدنية ذاتها معللة بالخروج عن الخط الديمقراطي الذي انتهجته "حركات التصحيح " السابقة للطرفين حيث سيبقى كل فريق يغنى على ليلاه باعتباره قد سطر من التاريخ الأحرف التي باتت طلسما لحلول المشاكل الوطنية . لقد تلقت المؤسسة العسكرية درسا لن تنساه على المدى القريب وإن بدا هذا الدرس من خلال القراءة السريعة أنه نجاح باهر وتفوق خارق لقادة المجلس العسكري وممثليهم في المفاوضات التي حققوا من خلالها أكثر من 90% مما كانوا يريدونه،لكن ذلك النجاح كان نجاح أفراد، وهو نجاح ضيق، ويتم على حساب المؤسسة العسكرية التي عليها أن تقتنع بأن عهد الانقلابات قد تولى، و يجب عليها أن تضع حدا لتلك المحاولات باعتبارها محاولات بائسة ومرفوضة دوليا و إقليميا . وأعتقد أيضا أن الطرف الثاني وهو ما يسمي نفسه بجبهة الدفاع عن الديمقراطية قد ظهر للشعب الموريتاني باعتباره ـ فعلاـ جبهة للدفاع عن المصالح الشخصية والحزبية الضيقة، وأن نضاله كان انتقاما وردة فعل على إقصائه من السلطة التي كان يستفيد من غفلتها، أو ينتظر دوره، لولا أن الجنرال عاجلهم بقطع الطريق صبيحة 6 من أغسطس الماضي . ولقد خرج الشعب الموريتاني هذه المرة منتصرا على الطرفين؛ فلقد انتصر على دعاة "الصوملة" والاقتتال الداخلي كما دعته بعض أطراف الصراع إلى ذلك، كما أن كثيرا ممن كان يمارس غش المبادئ وتزوير القيم في الساحة الوطنية قد انكشفت سوأته وبانت عورته أمام الجميع حيث لم تكن المبادئ تحركه ولا القيم تدفعه وإنما كانت المصالح والأنانية وحب الاستئثار وراء تحركاته، وبالتالي فلن يكون محط عناية مستقبلا من طرف الشارع الوطني، ولقد انتصر الشعب الموريتاني ثانية عند ما أقنع المؤسسة العسكرية بأن المجال الذي ينبغي أن تتحرك من خلاله ليس مؤسسات الحكم وإدارة شؤون المجتمع . وستبقى النقطة التي يخاف منها الجميع تتمثل في الخوف من أن يتم تفرد المؤسسة المدنية المتهالكة بالبلد في حال غياب المؤسسة العسكرية عن ساحة الفعل السياسي، وهي المؤسسة التي ظلت على قدر كبير من الانضباط والتنظيم الداخلي وهو الأمر الذي ظلت تفقده المؤسسة المدنية إلى حد الساعة، حيث ستتحكم الرشوة و سياسة المصالح والتزلف للحكام، وحينها ستتواصل الانقلابات تحت مسميات أخرى وبعيدا عن البزة العسكرية وسينشغل الناس عن التنمية وتكون البلاد في حالة خطر حقيقي بفعل تصرف أبنائها وفلذات أكبادها،فهل سيعي الشعب الموريتاني ذلك أثناء اختياره لرئيسه في الانتخابات المقبلة ؟

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Hostgator Discount Code تعريب بلوغر ـ تطوير وتنسيق : يحيى البيضاوي