إ هل تمت تصفية القضية الفلسطينية ؟ ~ يراع ـ البيضاوي

الثلاثاء، 7 مارس 2017

هل تمت تصفية القضية الفلسطينية ؟

قد لا تكون الإجابة عن هذا التساؤل اليوم تمثل إضافة يحسن السكوت عليها، ذلك لأن الواقع  أبلغ من الكلام، ولأن الكلام الكثير عبر تاريخنا المعاصر لم يفض بنا إلا إلى مثل هذا الواقع الأليم . ولكنني - رغم ذلك كله -  سوف أتجرأ لأخوض مغامرة التذكير بمعطيات الإجابة على هذا التساؤل، وإن لم تكن الإجابة ذاتها غاية عندي أو مطلبا أتغيّاه من وراء هذه الأسطر لكونها باتت تحصيل حاصل .
لقد شكلت القضية الفلسطينية للعرب، بعيد الجلاء المزعوم،شماعة يعلق عليها البعضُ كثيرا من مظاهر القهر والتسلط والاستبداد الحاصل في واقع مجتمعاتنا العربية؛فكان البعض يستحوذ على السلطة بحجة الدفاع عن القضية ومناصرتها بالتي هي أحسن، كما كان ثمة من يتعلل  بها  عندما يبدل أو يغير  من مواقفه أو التزاماته المحلية والدولية ، فكل ذلك كان يتم بحجة الحفاظ على القضية الفلسطينية ، بل لقد ظهرت حكومات واختفت أخرى بسبب هذه الدعوى .
كما ظلت هذه القضية شماعة يُعلَّقُ عليها الكثيرُ من مظاهر التخلف وانتشار الفقر والفساد المزمن ، وسببا مزعوما في غياب أي تنمية لدى البلدان العربية ؛ فإذا وجد أي غبنٍ أو فسادٍ أو تسلّطٍ  في أي بلد من بلدان العالم العربي يتم تبريره بالوصفة الجاهزة التي تُعبّر عنها الظرفيةُ الاستثنائية التي يعيشها العالم العربي والتي تشكلت يوم أن اختار الاستعمارُ الانجليزي أرضَ فلسطين لتكون دولة ليهود العالم.
وإذا كنا لا نستطيع أن نعمّم هذه الرؤية على الجميع  فإنها بكل تأكيد كانت تنسحب على غالبية مجتمعنا الرسمي ؛ فإذا كان تاريخ القضية قد عرف قيادات تاريخية  بذلت الغالي والنفيس لاستعادة الارض المغتصبة ، فإنه قد سجّل مواقف مشينة لبعض آخر كان  يعمل ضد القضية من مكتبه كمخبر يجمع المعلومات للعدوّ بثمن أو بغير ثمن، ولعل كثرة هذا الصنف هي التي أعاقت كل المحاولات الجادة التي بذلت في سبيل القضية .
 ولا ريب أن المجتمع العربي غير الرسمي سجل مواقف مشرفة، بل يمكن القول إن المجتمع العربي ظل يقوم بدور الحاضن الوفي لهذه القضية رغم الأطوار والتقلبات التي مرت بها ، ورغم هذا وذاك فإن القضية الفلسطينية ظلت  - في الظاهر على الأقل - بمثابة نقطة الالتقاء لدى كل العرب ، ولم يكن أحد من العرب يجرأ على أن يغرّد علناً خارج هذا السياق .
ومهما يكن فإن مخططات العدو كانت أكبر من عقول العرب أجمعين، فلقد نفذ العدوُّ كافة مخططاته في ظرف وجيزٍ، وها نحن اليوم نعيش فصولها الأخيرة، وإن قدر لها أن تتم فلن يكون ثمة شيء اسمه فسلطين العربية  في المستقبل لا قدر الله .
إن أول فكرة عمل عليها العدو كانت تتمثل في سلخ فلسطين عن محيطها الإسلامي حيث حاول من خلال رجاله النافذين في العالم العربي أن يجعل فلطسين قضية عربية تعني العرب والعرب فقط، وعلى الآخرين ممن هم خارج هذه الدائرة أن يتريثوا فلا يخلطوا الحابل بالنابل كما يقال ، فقضية العرب تعني العرب وحدهم، وبهذا المنطق أصابَ الفتورُ جهاتٍ إسلاميةً مهمةً غيرَ عربية ، رسمية وغير رسمية ،  كانت متحمسة للقضية ومستعدة للدخول في معمعان المواجهة بالمال والسلاح وبالمواقف الصارمة، فانكمشت تلك الجهات وبدأت تتعاطى مع القضية بسياسة " الممكن "دون أن تجزّ بنفسِها في الصراع المباشر أو تتورط في مبادرات قد تصيب وقد تخطئ .
وبعد أن نجح العدو في هذه الخطوة بدأ في تنفيذ خطواته التالية والتي في مقدمتها فك القضية الفلسطينية عن محيطها العربي باعتبارها قضية شعب موجود وله قادة فاعلون وينبغي أن يتمّ حلها بين الطرفين الرئيسين المعتدِي و المعتدَى عليه برعاية أممية بعيدة عن العرب ، بل وعلى العرب أن يساهموا في تحسين الأجواء العامة لجعل ذلك المسار ممكنا ، ومن هنا تشكلت الدعاية المغرضة لاتفاقية واشنطن ( 13سبتمبر 1993 ) المعروفة باتفاقية أسولو واحد، نسبة إلى العاصمة النرويجية التي كانت تدور فيها المباحثات السرية بين الطرفين "المعنيين بالقضية"، وكان من أهم نتائج هذه الباحثات أن اعترف العدو بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للقضية الفلسطينية ورضي العرب بذلك وكأنهم أزاحوا عن كواهلهم هماّ ثقيلا بات يقض مضاجعهم، وهذا هو أهم هدف كان يسعى إليه العدوّ في تلك المرحلة، وتعززت هذه الاتفاقية بأخرى سميت بأوسلو 2  تمت في طابة المصرية 1995م ، ولعل هذه الاتفاقية الأخيرة كانت تحمل رموزا مشفرة لم تخطر ببال أحد من العرب يومئذ ، منها أن الخطة الثانية المتمثلة في فك ارتباط فلطسين بمحيطها العربي تمت بامتياز فها هي أرض الكنانة التي أنفقت الرجال والمال والعتاد من أجل القضية الفلسطينية تتنازل عن دورها بل وتقبل أن يلتقي الطرفان على أرضها لإدارة مشاكلهما بعيدا عن الزخم العربي وما كان يسببه للعدو وحماته في الغرب من صداع وألم .
لقد تم هذان المخططان الكبيران بهدوء ، ولم يبق للقضية خارج الفلسطينيين سوى حاضنتها الشعبية في أرض العرب والمسلمين ، وهذه تحتاج إلى وقت حتى تتسرب تلك  القناعات إلى عقولها وتصبح جزءا من تكوينها النفسي وحينئذ لا مناص من أن تقتنع  بما اقتنع به ساستُها ، ولهذا قُدّمت تنازلات بمثابة طُعْم للمتهمين بالقضية الفلسطينية على كافة مستوياتهم حيث اعترف العدو بحدود 1967م وقَبِلَ بوجود حُكم ذاتي تديره المنظمة التي عمل على أن تكون هي الممثل الشرعي والوحيد للقضية ليتوالى بعد ذلك نقض عُرى القضية المركزية لدى المسلمين والعرب واحدة تلو الأخرى .
ويبدو أن الوقت قد حان للإعلان النهائي عن انتهاء هذا المسار وإعلان دولة اليهود بمباركة من العرب أنفسهم وفي صمت تام من الحاضنة الشعبية في العالمين العربي والاسلامي ، ولهذا جاء تصريح الرئيس الأمريكي الجديد بمثابة  ضوء أخضر لبدء التصفية النهائية للقضية عندما قال إن أمريكا لم تعد مهتمة بحل الدولتين ، وقد ترتب عليه منطقيا تلويحات العدو بضم الضفة وتوابعها .
ولئن غدت هذه المرحلة  قاب قوسين أو أدنى ، فإنّ تلويح العدو بها الآن ما هو إلا مجرّد تمهيد من جهة وسبر لمواقف الحاضنة الاجتماعية ليعلم هل تَمَ لَهُ ما أرده منها أم لا ؟ غير أن العدوّ لن يتحرك  نحو التهام القضية برمتها ورمي الأطرافِ الدُّمَى، التي ظل يوهمها بأنواع الوهم ، قبل أن ينفذ  مخططا آخر مُهِما  بدأت ملامحه تلوح في الأفق، يتمثل في خلقِ عدوّ بديل يحل محل العدو التقليدي في اللاوعي العربي وسيتمثل هذا العدو هذه المرة في الطائفية حيث  يراد لها أن تكون " الرمية التي تقتل عصفورين" كما يقال ؛ فهي من جهة  تشغل الشعب المسلم والعربي عن مآلات القضية الفلسطينية ، حيث ستوهمهم بأن العدو التقليدي لم يعد ذلك الذي اغتصب الأرض وشرّد الشعوب ، وقتّل الأطفال والنساء وسفك الدماء ، بل ثمة عدو أكبر منه وأخطر ينبغي أن ينال الأولوية . و هذا المخطط إن تم تنفيذه  فسوف ينضاف تأثيره إلى تأثير الممارسات الإرهابية المنتشرة  ليقضي قضاء مبرما على ما تبقّى مُستحكما من الدين الإسلامي في نفوس المتدينين به ؛ حيث ستكون ثمة جهات تغذي الصراع الذي استمر – في معظمه -  صراعا باردا طيلة  14 قرنا  ليتحول إلى صراع ساخن سنين أخرى يلتهم الأخضر واليابس وحتى يصل المتدينون أنفُسهم ، بعد التدمير والخراب إلى قناعة راسخة مفادها أن الالتزام الديني هو الذي أوردهم هذه الموارد وأنه غدا من الضروري أن يخففوا من وطأة حضوره في حياتهم اليومية ، ويجعلوه قضية شخصية غير قابلة للتشهير والعلن ، كمرحلة قابلة للتجاوز إلى غيرها فيما بعد ،  لا قدر الله ..
( ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين )



0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Hostgator Discount Code تعريب بلوغر ـ تطوير وتنسيق : يحيى البيضاوي