إ الاستشهاد بالحديث النبوي عند النحاة قديما وحديثا / الهادي بن محمد المختار النحوي ~ يراع ـ البيضاوي

السبت، 23 يناير 2016

الاستشهاد بالحديث النبوي عند النحاة قديما وحديثا / الهادي بن محمد المختار النحوي

أ. الهادي النحوي

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
 اختلف النحاة بشان الاستشهاد بالحديث النبوي الشريف ويمكن تقسيمهم إلى ثلاث مدارس منها من منع ذلك ومنها من أجازه واتخذه أساسا للتقعيد ومنهم من توسط بين المدرستين. وفيما يلي ملخص لمواقف المدارس الثلاث وحججها.
 المانعون من الاستشهاد النحوي بالحديث النبوي الشريف عرفت العصور الأولى من تاريخ النحو موقفاً غريباً وغامضاً من الاستشهاد بالنحو، واستمر الحال على ما هو عليه دون بروز تيار واضح يعارض بشكل صريح الاستشهاد النحوي بالأحاديث النبوية الشريفة إلى أن ظهرت أصوات تعارض مطلق الاحتجاج بالحديث النبوي الشريف، وكان من أبرز من تبنى هذا الاتجاه أبو حيان[1]، وقد أسس المانعون موقفهم على أمور منها: رواية الحديث بالمعنى، ورواية الأعاجم ومسألة التصحيف والتحريف وشبهة الوضع.
الرواية بالمعنى:
الأصل أن الحديث يروى باللفظ، لأن الرواية بالمعنى وإن حصلت فلها من الضوابط ما يجعلها لا تشكل مطعناً في الحديث من حيث الاستشهاد به على قواعد النحو. يقول الإمام النووي في معرض الحديث عن رواية الحديث بالمعنى: "فإن لم يكن (أي الراوي) خبيراً بالألفاظ ومقاصدها عالماً بما يحيل معانيها لم يجز له الرواية بالمعنى بلا خلاف بين أهل العلم بل يتعين اللفظ، وإن كان عالماً بذلك فقالت طائفة من أصحاب الحديث والفقه والأصول: لا يجوز مطلقاً وجوزه بعضهم في غير حديث النبي صلى الله عليه وسلم ...)[2].
وعلى الرغم من الدقة والتحري في ضبط أسس الرواية بالمعنى، فإن المانعين تمسكوا بموقفهم بعدم الاحتجاج، فقد احتج أبو حيان بقول منقول عن سفيان الثوري يفيد التساهل في مسألة الرواية بالمعنى: "إن قلت لكم إني أحدثكم كما سمعت فلا تصدقوني إنما هو المعنى" ثم قال أبو حيان معقباً على هذا الكلام "ومن نظر أدنى نظر علم علم اليقين أنهم يروون بالمعنى"[3]
وقد تمسك بعض المعاصرين بهذه الحجة – الرواية بالمعنى، ليخرج الحديث من مصادر اللغة عموماً، يقول د. عبد الحميد الشلقاني في مقدمة كتابه "مصادر اللغة العربية": ("... وضعنا القرآن الكريم على رأس المصادر .. وجعلنا الباب الثاني للحديث، وترتيبه في مصادر اللغة لا يأتي في المرتبة بعد القرآن الكريم، ولا يأتي كذلك في المرتبة الثانية تاريخياً، ذلك أن كثرة من اللغويين لا يعتمدون على الحديث في الرواية اللغوية للآفات التي صاحبت روايته وهي الرواية بالمعنى والتصحيف، والوضع ..")[4]
التصحيف:
ينشأ التصحيف غالباً من الأخذ من الصحف من غير الاعتماد على أهل الفن، وقال بعض أهل اللغة أن الصحفي هو من يأخذ العلم من دون المشائخ[5]. وقال بعضهم في التحذير من أخذ العلم من الصحف:
من يأخذ العلم عن شيخ مشافهـة *يكن عن الزيغ والتصحيف في حـرم
ومن يكن آخذا للعلم عن صحف *فعلمـه عند أهل العلم كالعـــدم
إلا أن علماء الحديث لم تغب عنهم خطورة التصحيف وأثره على الحديث النبوي الشريف من حيث سلامة متنه وسنده فألفوا فيه مصنفات، ومن الذين ألفوا فيه الدارقطني، والحاكم، .
ولئن وقع التصحيف في الحديث النبوي الشريف، فإنه وقع أيضاً في شعر العرب ونثرهم ولم ترد لذلك السبب.
رواية الأعاجم:
احتج المانعون من الاستشهاد بالحديث النبوي الشريف بأن كثيراً من الرواة كانوا غير عرب، ولا يتقنون لسان العرب بصناعته النحوية، فوقع اللحن في كلامهم وهم لا يعلمون، فرووا كلاماً غير فصيح[6]، ويكفي للرد على هذه المسألة أن كثيراً ممن رووا اللغة والشعر كانوا أيضاً من الأعاجم كخلف الأحمر، وحماد الراوية[7]، فكيف يقبلون ما رووا من الشعر واللغة ويرفضون روايتهم الحديث الشريف.
شبهة الوضع:
الموضوع لغة: اسم مفعول مأخوذ من وضع الشيء يضعه وضعاً إذا حطه وأسقطه.والموضوع في اصطلاح المحدثين هو الحديث المختلق، المكذوب المصنوع، قال سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم في تعريفه للموضوع:
وهـو مكذوب به عـلى النبي *لا تـرو أو تعمـل به بل جنـّبِ
دون بيان، شر من له انتسـب*من أظهر الزهد وبالوضع احتسب[8]
وقد سمى الحديث الموضوع "حديثاً" بالنظر إلى أن صورته صورة الحديث لوجود السند والمتن. وقد بذل علماء وحفاظ الحديث الشريف جهوداً عظيمة فتكلموا في الرواة ولم يعفوا أحداً بعد الصحابة دون قصد الطعن وإنما أرادوا أن يبينوا ضعف الضعيف. وقد أفرد دكتور محمد فجال باباً خاصاً لمعالجة شبهة وضع الحديث[9] التي ربما استند إليها بعض المانعين من الاستشهاد بالحديث النبوي الشريف إلا أن هذه النقطة لم يتطرق إليها في ما وقفت عليه من المراجع إذ أن العلتين اللتين تحجج بهما المانعون وتناولهما الباحثون بالتفصيل إنما هما مسألة الرواية بالمعنى ورواية الأعاجم.
التحرز الديني:
جاء في كتاب "الرواية والاستشهاد باللغة" أن النحاة عللوا عدم احتجاجهم بالقرآن والحديث بتحرجهم من استخدامهما كموضوع للدراسة. فوقف "التحرز الديني" بينهم وبينها. وقد رد د. محمود فجال هذا الادعاء بقوله إن فكرة التحرز الديني غير مقنعة وكذلك نظرة التقديس والتنزيه، إذ أن النحاة قاطبة استدلوا بالقرآن الكريم دون تردد[10].
المتوسطون بين المنع والجواز
من أبرز أئمة هذا الاتجاه ،أبو إسحاق الشاطبي[11] الذي حدد معالم هذا التوسط في شرحه الألفية المسمى "المقاصد الشافعية في شرح الخلاصة الكافية" إذ ذكر في باب"الاستثناء": "لم نجد أحداً من النحويين استشهد بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم يستشهدون بكلام أجلاف العرب وسفهائهم الذين يبولون على أعقابهم وأشعارهم فيها الفحش والخنا ويتركون الأحاديث الفصيحة لأنها تنقل بالمعنى وتختلف رواياتها وألفاظها بخلاف كلام العرب وشعرهم، فإن رواته اعتنوا بألفاظها لما ينبني عليها من النحو، ولو وقفت على اجتهادهم قضيت منه العجب، وكذا القرآن ووجوه القرآن"[12]. ثم قسم الحديث إلى قسمين: - قسم يعتني ناقله بمعناه دون لفظه، فهذا لم يقع به استشهاد أهل اللسان. -وقسم عرف اعتناء ناقله بلفظه لمقصود خاص، كالأحاديث التي قصد بها بيان فصاحته صلى الله عليه وسلم ككتابه لهمدان، وكتابه لوائل بن حجر، والأمثال النبوية فهذا يصح الاستشهاد به في العربية. وقد أخذ الشاطبي على ابن مالك[13] أنه لم يفصل هذا التفصيل الضروري، إذ أنه بنى الكلام على الحديث مطلقاً، ويفهم من كلام الشاطبي في موقفه من الاحتجاج بالحديث النبوي معارضته للمانعين ورميه لهم بالتناقض لأنهم يستشهدون بكلام أجلاف العرب ويتركون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم". ويؤخذ من كلامه أيضا أن الاحتجاج بالحديث مطلقاً ليس مستساغاً، ويظهر ذلك في انتقاده لنهج ابن مالك الذي ربما بناه على امتناع نقل الحديث بالمعنى، وهذا قول ضعيف كما يرى الشاطبي.
موقف العكبري:
ويمكن أن يضاف إلى مدرسة "المتوسطين" عبد الله بن الحسين العكبري[14] وإن كان في إعرابه وآرائه النحوية متمسكاً بقواعد النحاة السابقين، فهو يتناول الحديث ويخضعه لقواعد النحاة ويقلبها على وجوه عديدة من التأويلات حتى تتفق مع هذه القواعد، .. فإذا انسجمت الرواية مع قواعد النحاة، خلص منها، وإلا أتهم الرواة باللحن أو الخطأ أو السهو[15]. ويتضح من هذا الكلام أن العكبري على مذهب النحاة الأوائل في مسألة اللحن في الرواية، إلا أن ما يميزه ويجعله في صف المتوسطين هو تأليفه لكتابٍ مستقل لإعراب الحديث النبوي، وهو في هذا المجال مبدع إذ أن كتابه من الكتب القديمة النادرة التي اعتنت عناية خاصة بإعراب الحديث النبوي وإن أخضع الحديث لقواعد النحاة، فقد تضمن كتابه 428 حديثاً شريفاً معتمدا على كتاب جامع المسانيد لابن الجوزي.
موقف السيوطي:
أما السيوطي فمذهبه متردد بين المنع والجواز، وإن كان في بعض مواقفه أكثر ميلاً إلى المانعين حيث يقول: "ومما يدل بصحة ما ذهب إليه ابن الصانع وأبو حيان أن ابن مالك استشهد على لغة "أكلوني البراغيث" بحديث الصحيحين "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل والنهار"[16] وأكثر من ذلك حتى صار يسميها لغة "يتعاقبون" وقد استدل به السهيلي ثم قال: "ولكني أقول إن الواو فيه علامة إضمار لأنه حديث مختصر رواه البزار ...[17]".
موقف الصفار:
يمكن أن يصنف من هذه المدرسة كذلك قاسم بن علي بن محمد الصفار[18] فقد استشهد بستة أحاديث في كتابه شرح كتاب سيبويه[19].
وهكذا نجد أن فريق المتوسطين احتجوا بالحديث النبوي الشريف على تفاوتٍ بينهم ووضعوا قواعد للاحتجاج فلم يرفضوه مبدئيا لكنهم أيضاً لا يؤيدون فكرة الاحتجاج بالحديث بصورة مطلقة ودون ضوابط أو تفريق، بين ما اعتنى بألفاظه وما اعتنى فيه بالمعنى دون اللفظ.
مدرسة الاحتجاج بالحديث النبوي
يعتبر ابن مالك حامل لواء مدرسة الاحتجاج بالحديث النبوي الشريف وحامل لوائها فقد أبدع في هذا المجال وشق طريقاً خاصاً سلكه بعده الكثير من النحاة وشكل تحولاً عميقاً في نظرة النحاة إلى الاستشهاد بالحديث النبوي الشريف. يقول عنه د. حسن موسى الشاعر: "أما ابن مالك فقد كان مجدداً مجتهداً، متحرراً من التبعية لآراء غيره، لا يتكلف تأويلات بعيدة للنص وإنما يجعل القاعدة تابعة للنص، فيجمع الأشباه والنظائر في القرآن والأحاديث والشعر، ويستنبط منها القواعد ..."[20]
وما يميز ابن مالك حقيقة إنما هو إخضاعه القاعدة للنص عكس ما ذهب إليه النحاة من قبله، فكان الحديث بالنسبة له أساساً وأصلاً يقعد عليه. وقد مر معنا بعض من الانتقاد الذي تعرض له ابن مالك بسبب منهجه في الاستشهاد بالحديث النبوي ...
وفيما يتعلق بمسألتي الرواية بالمعنى ورواية الأعاجم، فقد رد المجيزون على المانعين وبينوا ضعف حجتهم، ومن ذلك رد البدر الدماميني[21] على أبي حيان في مسألة الاحتجاج المطلق[22]:
1.    إن اليقين ليس بمطلوب في هذا الباب وإنما المطلوب غلبة الظن الذي هو مناط الأحكام الشرعية، وكذا ما يترتب عليه من نقل مفردات الألفاظ وقوانين الإعراب، فالظن في ذلك كله يكفي. 2
2.    . إنه يغلب على الظن أن ذلك المنقول المحتج به لم يبدل لأن الأصل عدم التبديل.
3.    إن التشديد في الضبط والتحري في نقل الأحاديث شائع بين النقلة والمحدثين.
4.    4. إن من يقول من النقلة والمحدثين بجواز النقل بالمعنى فإنما هو عنده بمعنى التجويز العقلي الذي لا ينافي وقوع نقيضه.
5.    5. إن الخلاف في جواز النقل بالمعنى عند من أجازه إنما هو فيما لم يدون ... أما ما دون وحصل في بطون الكتب فلا يجوز التصرف فيه ولا تبديل ألفاظه بوجهٍ من الوجوه من غير خلاف بين أهل العلم. 6
6.    إن تدوين الأحاديث وكثير من المرويات وقع في الصدر الأول قبل فساد اللغة العربية حين كان كلام أولئك المبدلين - على تقدير تبديلهم – يسوغ الاحتجاج به، وغايته يومئذٍ تبديل لفظ بلفظ يصح الاحتجاج به ...
ويعود الفضل الكبير كما ذكرنا إلى ابن مالك في تأسيس وبناء مدرسة الاحتجاج بالحديث، فقد اهتم النحاة بعده بالحديث النبوي الشريف واستشهدوا به.، فمثلاً تضمنت شروح ألفية بن مالك كثيراً من الأحاديث النبوية، وفي هذا السياق أحصى د. محمود فجال 120 مسألة من مسائل الألفية تضمنت شروحها أحاديث نبوية شريفة[23] واستشهد محمد بن بدر الدين بن عمر الدماميني بخمسمائة وعشرين حديثا في كتابه "تعليق الفرائد على تسهيل الفوائد"[24] وتضمن شرح بن عقيل[25]على ألفية ابن مالك عشرين حديثاً نبوياً.
وهكذا نلاحظ أن مدرسة الاحتجاج بالحديث أصبحت راسخة الأركان في العصور التي تلت عصر ابن مالك وإن تباينت المواقف من فترة لأخرى، ومن أبرز الذين دافعوا عن مدرسة الاحتجاج في القرن الثاني عشر الهجري محمد بن الطيب الفاسي[26]شارح "الاقتراح" للسيوطي، إذ تناول مسألة الرواية بالمعنى وعدم استدلال الأولين بالحديث وبين بطلانها من الأوجه التالية:
1. إن القول بأن القدامى لم يستدلوا بالحديث ولا أثبتوا القواعد الكلية به، لا دليل فيه على أنهم يمنعون ذلك.
2. إن القول بأن الأحاديث بأسرها ليس موثوقاً بأنها من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، قول باطل لأن المتواتر- وإن كان قليلاً – مجزوم بأنه من كلامه، وما صح أنه من كلامه صلى الله عليه وسلم لا شك في كونه في إثبات القواعد كالقرآن.
3. أن الرواية بالمعنى مختلف فيها.
كما رد على القول بتعدد رواية القصة الواحدة بأن ورود القصة بالعبارات المختلفة صحيح موجود في كثير من الأحاديث فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعيد الكلام المرتين وأكثر لقصد البيان وإبانة المعنى، وقد ورد أنه كان من عادته صلى الله عليه وسلم إعادة الكلام ثلاث مرات[27].
أما في العصر الحديث فقد استمر النقاش حول هذه المسألة بين من يؤيد ومن يعارض، وتفصيل ذلك في مبحثنا التالي إن شاء الله.
الاحتجاج بالحديث النبوي الشريف في العصر الحديث
يعتبر الشيخ محمد الخضر حسين[28] من أبرز المعاصرين الذين تبنوا موضوع الاحتجاج بالحديث النبوي الشريف وقد بنى ما ذهب إليه في هذا الاتجاه على أساس التقسيم الذي ذكره الشاطبي بشأن الفرق بين الحديث الذي اعتنى الرواة بألفاظه وبين الحديث الذي اعتني بمعناه دون ألفاظه. أعد الشيخ الخضر بحثاً جليلاً حول هذا الموضوع شكل الأساس لقرار مجمع اللغة العربي بالقاهرة ونشر في مجلة المجمع، وقد تضمن القرار الأسس التي يرى بها المعاصرون مسألة الاحتجاج بالحديث النبوي الشريف، ويمكن تلخيص نقاط بحث الشيخ الخضر الذي أقره المجمع بشأن الأحاديث التي لا ينبغي الاختلاف في الاحتجاج بها في اللغة والقواعد في الأمور التالية:
- ما يروى بقصد الاستدلال على كمال فصاحته صلى الله عليه وسلم، كقوله عليه الصلاة والسلام "الظلم ظلمات يوم القيامة"[29].
- ما يروى من الأقوال التي يتعبد بها أو أمر بالتعبد بها كألفاظ القنوت والتحيات، وكثير من الأذكار والأدعية التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بها في أوقاتٍ خاصة.
- ما يروى على أنه كان صلى الله عليه وسلم يخاطب كل قوم من العرب بلغتهم، ومما هو ظاهر أن الرواة يقصدون في هذه الأنواع الثلاثة إلى رواية الحديث بلفظه.
- الأحاديث التي وردت من طرق متعددة واتحدت ألفاظها فإن اتحاد الألفاظ مع تعدد الطرق دليل على أن الرواة لم يغيروا ألفاظها، والمراد أن تتعدد طرقها إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى الصحابة، أو إلى التابعين الذين ينطقون الكلام العربي فصيحاً.
- الأحاديث التي دونها من نشأ في بيئة عربية لم ينتشر فيها فساد اللغة: كـمالك بن أنس، وعبد الملك بن جريح، والشافعي.
- ما عرف من حال رواته أنهم لا يجيزون رواية الحديث بالمعنى مثل ابن سيرين، والقاسم بن محمد ورجاء بن حيوة وعلي بن المديني. كما بين الشيخ الخضر أن هناك من الأحاديث ما لا ينبغي الاختلاف في عدم الاحتجاج به وهي الأحاديث التي لم تدون في الصدر الأول وإنما تروى في بعض كتب المتأخرين. أما الأحاديث التي يصح أن تختلف الأنظار في الاستشهاد بألفاظها فهي الأحاديث التي دونت في الصدر الأول ولم تكن من الأنواع الستة المبينة آنفاً.
هذه هي أسس موقف المعاصرين من الاحتجاج بالحديث النبوي وقد ظهرت كتابات جادة اهتمت بمعالجة موقف المتقدمين والمتأخرين من الاحتجاج بالحديث النبوي الشريف، وعالجت كتب أخرى إعرابه، ومن أهم ما اطلعت عليه من الكتب التي درست فيها هذه المسألة وأثبتت هشاشة موقف المانعين من الاحتجاج بالحديث النبوي الشريف:
- كتاب موقف النحاة من الاحتجاج بالحديث الشريف للدكتورة خديجة الحديثي. وقد اشتمل الكتاب على أربعة فصول عالجت بالتفصيل والتمحيص: مذاهب الاحتجاج، نحاة ما قبل الاحتجاج، النحاة المحتجون، وهل يصح الاحتجاج بالحديث.
- كتاب الحديث النبوي (الشريف) في النحو العربي.
- كتاب السير الحثيث إلى الاستشهاد بالحديث في النحو العربي. الكتابان من تأليف د. محمود فجال وقد تناول فيهما مباحث هامة حول الموضوع منها: شبهات عدم الاحتجاج كالرواية بالمعنى ورواية الأعاجم والوضع في الحديث ومذاهب النحاة في هذه المسألة...
- كتاب إعراب الشواهد القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة في كتاب "شرح قطر الندى وبل الصدى" لابن هشام[30] الأنصاري، للدكتور رياض بن حسن الخوام.
ومن الكتب التي اهتمت بإعراب الحديث النبوي كتاب نحو اللغة العربية للدكتور محمد أسعد النادري، الذي تضمن اثنين وعشرين شاهداً إعرابياً من الحديث النبوي الشريف.
مواقف معارضة:
ومع هذا الاهتمام البين بشأن الاستشهاد بالحديث النبوي الشريف، فإننا نجد كتاباً معاصرين يقفون موقفاً غريباً من الاستشهاد بالحديث النبوي ويحكمون عليه دون تمييز. من ذلك موقف د. عبد الحميد الشلقاني الذي يقول في مقدمة كتابه مصادر اللغة العربية" (..كان من الممكن أن يظهر هذا الكتاب وليس فيه باب عن "الحديث" ذلك أن كثرة من اللغويين لا يعدون الحديث مصدراً من مصادر اللغة... وكان من الممكن أن يظهر هذا الباب ولكن في غير هذا المكان فنظام التأليف يبدأ بأكثر الأبواب إحاطة بالموضوع ثم الذي يليه وحديث النبي صلى الله عليه وسلم لا يأتي في المرتبة الثانية بعد القرآن إذا كان الكلام عن مصادر اللغة، ولا يأتي كذلك في المرتبة الثانية تاريخياً..)
وهذا الكلام عجيب وفيه تطاول على حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، فأي مرتبة للحديث الشريف إذا لم يأت بعد القرآن حتى في اللغة. فهل يرضى الكتاب والنحاة أن يقولوا إن الحديث النبوي الشريف يأتي في آخر مصادر اللغة وهل يمكن أن تستقيم اللغة دون الحديث الشريف.
الخلاصة
والخلاصة أن مدرسة الاحتجاج بالحديث النبوي أصبحت راسخة كما بينا ويعود الفضل الكبيرفي ذلك كما ذكرنا إلى ابن مالك رحمه اللـه فمثلاً تضمنت شروح ألفية بن مالك كثيراً من الأحاديث النبوية، وقد اهتم النحاة بعده بالحديث النبوي الشريف واستشهدوا به، وأثبتت تبني هذا المنهج وانتشاره بين النحاة أن القائلين بمنع الاستشهاد بالحديث النبوي الشريف أو المترددين ، حججهم ضعيفة ولا تنهض ولا تستقيم مع افتراض سلامة النيات وهذا ما توصل إليه المحققون من المعاصرين يقول أ. د. محمود فجال :
(وبعد البحث الدقيق، والمناقشات الجادّة في مؤلّفاتي الثلاثة، انكشف لي بوضوح أنّه لا يوجد في القدامى مَنْ رفضَ الاحتجاج بالحديث في علمَي النحو والصرف، كما أنّهم لم يثيروا هذه المسألة البتة، ونحن نتحدّى أن يكون لسيبويه والخليل والمبرِّد، ومن كان في طبقتهم قولٌ في ذلك، من قريب أو بعيد، بعبارة أو إشارة، بتصريح أو تلويح، بل لم ينطقوا بِبِنتِ شَفَة، ولم يأثموا في الخوض في منع الاستشهاد بالحديث. أمّا التقسيم الذي قسمه العلماء إلى ثلاثة اتجاهات:
الاتجاه الأوّل: الاستشهاد بالحديث في النحو مطلقًا.
الاتجاه الثاني: المنع من الاستشهاد مطلقًا.
الاتجاه الثالث: التوسُّط بين الاتجاهين.
فهذا التقسيم كان أخيراً بسبب ما أثاره (ابنُ الضائع) و(أبو حيّان). وقد ناقشتُ ذلك، ودحضتُ شبههما التي تعلّقا بها بما فيه الكفاية. كما ظهر لكلِّ ذي عَينين أنّ الذين احتجُّوا بالحديث الشريف بكثرة في مسائل النحو والصرف هم من أئمته، أو من المطّلعين عليه، والمشتغلين به.
وأمّا الذين لم يحتجّوا به بكثرة، فليس لهم نصيبٌ في هذا الشأن، وليسوا من أرباب هذا الفن، وبضاعتهم فيه قليلة.
أمّا ادّعاء عدم احتجاج سيبويه والنحاة من بعده بالحديث والأثر فهذا غير وارد. وإنكار وجود السنّة في كتاب سيبويه كإنكار وجود الشمس الساطعة في وسط النهار. وهذا كما قال المتنبي:
وليس يصحُّ في الأفهام شيءٌ **إذا احتاجَ النهارُ إلى دليل )

ــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
[1] المتوفى سنة 745هـ
[2] موقف النحاة من الاحتجاج بالحديث الشريف صـ373 نقلا عن صحيح مسلم بحاشية شرح النووي.
[3] انظر موقف النحاة من الاحتجاج بالحديث الشريف صـ368 / الاقتراح في أصول النحو صـ158 [4] انظر السير الحثيث إلى الاستشهاد بالحديث في النحو العربي صـ22- الكتاب الثاني.
[5] المرجع السابق صـ97
[6] انظر الإفصاح في أصول النحو صـ159
[7] انظر موقف النحاة من الاحتجاج بالحديث الشريف صـ390
[8] انظر رفع الأستار عن محاي مخدرات طلعة الأنوار صـ112
[9] انظر السير الحثيث إلى الاستشهاد بالحديث النبوي في النحو العربي صـ103 وما بعدها. [10] انظر الحديث النبوي في النحو العربي صـ125
[11] المتوفى سنة 790هـ
[12] انظر الحديث النبوي في النحو العربي صـ127/ موقف النحاة من الاحتجاج بالحديث الشريف صـ368
[13] المتوفى سنة 672هـ
[14] المتوفى سنة 616 هـ
[15] انظر إعراب الحديث النبوي للعكبري صـ65 وما بعدها
[16] رواة البخاري ومسلم.
[17] الاقتراح في أصول النحو وجدله صـ161
...

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Hostgator Discount Code تعريب بلوغر ـ تطوير وتنسيق : يحيى البيضاوي