إ في السياسة الموريتانية : الخداع أبلغ من الشعبية (حزب تواصل أنموذجا) ~ يراع ـ البيضاوي

الجمعة، 27 ديسمبر 2013

في السياسة الموريتانية : الخداع أبلغ من الشعبية (حزب تواصل أنموذجا)


يعتبر العام الماضي أصعب عام مَرّ على الحركة الإسلامية الموريتانية منذ سقوط خصمها اللدود معاوية ولد الطايع، فقد ظنت أنه من الممكن أن تُسقط الرئيس محمد بن عبد العزيز كما تدعي أنها أسقطت معاوية ، والذي جرّأها على ذلك أمران :

أولهما وأهمهما ما اعتبرته ضوءا أخضر من الغرب بعد ثورات الربيع العربي بأنه صار يتقبل الإسلاميين شركاء له في حكم الوطن العربي ، وثانيهما مغامرة فرسان التغيير التي راح ضحيتها كثير من القتلى منهم قائد الأركان السابق محمد الأمين ولد أنجيان – رحمه الله - الذي تشير بعض التسريبات إلى أنه قتل بقذيفة أمر بإطلاقها قادة الانقلاب إما للتخلص منه أو لتخويفه أو تخويف غيره ، وهي المحاولة الانقلابية الوحيدة في التاريخ الموريتاني الحديث التي فشلت وأريقت فيها الدماء وكادت أن تنتهي بحرب أهلية ، وكانت هذه المغامرة بتدبير خالص من الحركة الإسلامية الموريتانية لا يشاركها فيه أحد، لكنها ألبستها دراعة ناصِرية على سبيل التمويه لعلمها أن الغرب لن يقبل انقلابا تقوم به حركة إسلامية ،

أما الضباط الناصريون الذين يبدو أن الرائد صالح ولد حننا لم يصارحهم بانتمائه الجديد الذي تم سرا منذ مدة ليست بالقصيرة فيما يبدو وظل يتكتم عليه ويعلن أنه ناصري حتى يمكن توظيفه في خدمة الحركة سواء من موقعه كضابط في الجيش أو من موقعه كواحد من قياديي الاتجاه الناصري في موريتانيا ، هؤلاء الضباط انسحبوا في اللحظات الأخيرة حين عرفوا حقيقة الانقلاب ورفضوا أن يساعدوا على انقلاب يحمل خصومهم التاريخيين إلى الحكم ولكنهم لم يتراجعوا إلا بعد أن تحركت الدبابات إلى القصر الرئاسي.

ويبدو أن محمد ولد شيخنا كان يوافق صالح ولد حننا في انتمائه السري إلى الحركة أيضا وأنهما كانا رأس الحربة في هذه المحاولة. أما ما تدعيه الحركة من أنها كانت ممثلة في المحاولة تمثيلا مدنيا فقط وأن ذلك التمثيل كان مبادرة فردية خارجة عن علمها فخداع هدفه التغطية على جناحها السري في الجيش بعد أن انكشفت مشاركتها في الانقلاب لكنها بالرغم من ذلك نجحت في التغطية على دورها الحقيقي فيه وظلت تفاصيل علاقتها الدقيقة بالمغامرة خفية إلا على من لهم معرفة بالحركة وبالأخص صالح ولد حننا ومحمد ولد شيخنا واستطاعت أن تلبس الاتجاه الناصري خطأها وفشلها في الانقلاب من أجل أن يصفى من القطاع العسكري وتخرج هي سالمة وتحافظ على ما تدعي من أنها حركة ديمقراطية سلمية متجاهلة ما ترشد إليه الدين الحنيف من حرمة إلباس البريء جرم غيره : (ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا).

وقد وضحت هذه المغامرة ما كان يخفى على بعض الذين كانوا ينتمون إلى الحركة إذ ذاك فقد كانوا حين يسألون عن عمل الحركة في الجيش يرد عليهم سدنتها بقولهم : "الإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة" وكان ذلك كافيا لإسكات السائل وزجره عن معاودة السؤال مرة أخرى ولكنهم بالرغم من ذلك كانوا يفهمون من الإجابة أن ثمة جناحا عسكريا ويزدادون ثقة بالقيادة وعبقريتها ، ولا شك أنّ الثقة بالقيادة وبعبقريتها هي أحد أهداف هذه الإجابة الماكرة التي لا تنفي ولا تثبت صراحة ولكنها في الوقت نفسه تدل على وجود شيء ما ينبغي ألا يسأل عنه قبل حينه.

كان الطموح إلى الحكم يراود بعض شباب الحركة قبل أن يكونوا قادرين عليه سواء بالوسائل السلمية أم بالوسائل العسكرية هذا بالإضافة إلى عدم قدرتهم عليه من الناحية السياسية فلما قامت الثورات العربية عاودهم الطموح مرة أخرى بعد أن عجزوا عن تحقيق ما كانوا يريدون من مسايرة الرئيس ولد عبد العزيز من تعيينهم في بعض المناصب الحساسة التي يتحكمون في البلد من خلالها ريثما تحين فرصة الانقضاض على السلطة كلها، لكن تحقيق الطموح هذه المرة كان بوسائل جديدة هي الثورة الشعبية التي كانت الحركة تطمع في أن تجني ثمرتها دون من وظفتهم في إشعالها من غير أن تتحمل وحدها التكاليف بمواجهة الحكومة منفردة ، ما قد يعطي الحكومة فرصة لتصفيتها ، كما جناها الإخوان في مصر والنهضة في تونس من غير أن يتحملوا خسائرها وحدهم ،

لذلك كانت تقيم مهرجاناتها الخاصة منفردة عن شركائها في "الثورة" لتذكر الشعب بأنها قادرة على الحكم وأنها هي قائدة الثورة الحقيقية وأن شركاءها ليسوا أكثر من تبعٍ يوظف في تكثير السواد والضغط على ولد عبد العزيز لإسقاطه أو منعه من الترشح للرئاسة مرة أو أخرى لكي يفتح لها الباب إلى خلافته . وبالرغم من أن محاولة تأجيج "الثورة الشعبية" لم تخل هي الأخرى من الخيار الموريتاني التقليدي في الوصول إلى الحكم أي الانقلاب الذي كانت الحركة تهدد به طوال هذه المحاولة وتدعو الجيش إلى القيام به ، كذلك فهمتُ مما سمعته من أحد أعضائها العام الماضي: (ولد عبد العزيز ماشِ ، هذه معلومة ماهِ تحليل) ،

ولما أطلقت رصاصة الطويلة على ولد عبد العزيز فهمت أن الحركة كانت تخطط لترحيله عن طريق التصفية الجسدية وتأكدت لي صحة هذا الفهم فيما رأيت في وسائل إعلامها وتصريح قادتها من الثقة بأن ولد عبد العزيز قد انتهى والقسم بالأيمان المغلظة على ذلك في المهرجانات التظاهرية وفسرت ذلك بأن من أطلق الرصاصة إذا صح انتماؤه للحركة ،مع أنني أعرف بيئته غاية المعرفة ، ربما أخبرهم بالطريقة التي أطلقها بها وأنه واثق بأنها قاتلة أو معوقة إعاقة لا يمكن معها أن يمارس الرئيس الحكم مرة أخرى.

ولست في حاجة إلى التذكير بأن الحركة ما تزال سرية إلى اليوم وأن قادتها يقرون بذلك في كتاباتهم وتصريحاتهم من حيث لا يشعرون كقول محمد غلام منذ أيام إن الشيخ محمد الحسن ولد الددو مطيع للحزب ويمكن أن يستغله كما تستغل الحكومة العلماء ، حسب زعمه ، ومعروف أن محمد الحسن لا ينتمي علنا إلى تواصل لكنه ملتزم بسياساته كلها، وفتاواه العام الماضي تصدق ما قال محمد غلام لأن حزب تواصل ما هو إلا واجهة من واجهات الحركة وهو ومحمد الحسن يلتقيان في الحركة التي كل عضو فيها عضو في الحزب وليس كل عضو في الحزب عضوا في الحركة. وكذلك العبارة التي وردت في مقال الأستاذ أحمد ولد الوديعة في مقاله المنشور في موقع السراج بعنوان (أيهما قابَلَ الرئيس) فقد قال فيها بالحرف الواحد (يبدو أن وقت السيد الرئيس - يعني محمد ولد عبد العزيز - لم يكن على نفس النسق فقد كان الأسبوع فرصة له لمقابلة شخصيات عامة من أطياف عدة أتيح لي أن أحصل من مصادر لا يتطرق لها الشك على تفاصيل حول بعض ما تطرق له الرئيس الجنرال مع محدثيه) فمعروف أن للحركة استخباراتها التي وصلت إلى قمة هرم الدولة بحيث لا يصدر شيء عن واحد من مسؤوليها الكبار من الرئيس ووزيره الأول فمن دونهما إلا نقل إلى قيادتها ، وكلام ولد الوديعة يدل على ذلك فهو حصل على تفاصيل ما تطرق له الرئيس من (مصادر لا يتطرق لها الشك) وهذه المصادر نقلت له التفاصيل فهي إذن مصادر كانت وظيفتها تسجيل كلام الرئيس ونقله إلى مرجعيتها التنظيمية ،

وقد نقل ولد الوديعة بعض ما قال الرئيس لمحدثيه ووضعه بين علامتي تنصيص ، مما يدل في الأعراف الصحفية على أنه كلام الرئيس بنصه كهذا: قال الرئيس لمحدثه الأول إن "الانتخابات حدث مهم، وقد نظمت بنجاح، وكان هناك من لا يريد لها أن تنظم لكنها في النهاية نظمت وحملت نتائج جيدة أهمها أنها ضمنت تجديدا واسعا للطبقة السياسية في حالة هي الأولى من نوعها منذ فترة، وهو أمر يمكن التعويل عليه في تطوير البلد وتطوير العملية السياسية فيه". قال الرئيس لمحدثه الثاني -بحسب ولد الوديعة- إن "الانتخابات مهزلة وفضيحة وإنها جديرة بالإلغاء، ولولا ما قد ينجر عن إلغاء شوطها الأول من مشكلات أمنية واجتماعية قد تهدد أمن وسكينة البلد لكنت -يقول الرئيس- أصدرت قرارا بإعلانها " لاغية" باطلة عديمة الأثر ".

وفي العام الماضي كتب واحد من كتاب الحركة مقالة مطولة في انتقاد الرئيس ولد عبد العزيز في إبان اشتداد "حملات الرحيل" أورد فيها عبارات قال إن ولد عبد العزيز خاطب بها أحد مستشاريه منها هذه العبارة "لوَّدْ لي الحرطاني نعدلُ وزير العدل" ، وهذا الكاتب مقيم في الخارج منذ مدة طويلة فالذي سرب إليه كلام الرئيس مع مستشاره هو مرجعيته الحركية في موريتانيا والذي سربه إلى الحركة إما المستشار الذي قد يكون عينا لها على الرئيس وإما عين آخر كان معهما أو قريبا منهما.

وما يحدث في مؤسسات الدولة من الاختراق يحدث مثله على مستوى الأحزاب بل أشد فما من حزب في البلد إلا وتخترقه الحركة بأعضاء قد يصلون إلى القيادة فمن المعلوم أن حزب حاتم إن لم يكن واجهة من واجهات الحركة غير المعلنة بعد أن غادره من غادره من الناصريين يقوده صالح ولد حننا وهو من الحركة ، وطلائع التغيير يقوده مولاي العربي وهو من الحركة ويرى بعض المتابعين لسياسة الحركة أن هذا الحزب واحد من أحزاب الحركة ويستدل على ذلك بأدلة أضعفها ما بين تسميته وبين (فرسان التغيير) من توافق يدل على وحدة من سماهما ، والشخص الثاني في حزب أحمد ولد داداه من الحركة وهو رئيسه الفعلي، والاتحاد من أجل الجمهورية فيه أعضاء من الحركة بعضهم في مجلسه الوطني منهم مولاي ولد إبراهيم قبل أن ينسحب في مسرحية من مسرحيات الحركة التي سنتحدث عنها ، وقد كان هؤلاء الأعضاء هم مصدر البلابل التي أثيرت العام الماضي في الحزب عدة مرات ، وهكذا باقي الأحزاب.

ولست في حاجة إلى إثبات أن الحركة ما زالت على حالها وعلى ما عهدت منها من السرية وأنها لم تحل كما ادعت مرارا في الرد على بعض كتبت عنها ، وهي ليست إلا كغيرها من الحركات العربية التي لم تحل واحدة منها نفسها حتى بعد أن استولت على الحكم، فالحركة السودانية ما تزال قائمة وقد عقدت مؤتمرها العام الماضي علانية بالرغم من أنها هي التي تحكم ولها حزب سياسي ، ولم يدَّع الإخوان المسلمون في مصر أنهم حلوا الجماعة بل ظل مكتب الإرشاد فيها يمارس عمله جهارا بالرغم من أنه كان يغضب السياسيين بل يغضب جمهور الشعب المصري غير المنتمي إليهم وكانوا يقولون إنه هو الذي يحكم مصر ، وكان لها أيضا حزب قائم بذاته هو حزب العدالة والحرية لكنه كان حزبا صوريا وكان كل شيء يصدر من مكتب الإرشاد . وربما كان لفلسفة الحركات في ذلك ما يبررها فهي تتوقع دائما أن تحل ويلاحق أعضاؤها وتخشى أن يكون السماح لها بخوض السياسة استدراجا لها لتظهر على حقيقتها حتى تسهل تصفيتها وما حدث في مصر قد يبرر ذلك التصور ،

وما الحركة الموريتانية إلا كغيرها من الحركات وإن كانت تختلف عن بعضها في أنها لم تصل إلى الحكم ولم تحقق في واحد من الانتخابات السابقة ما يطمئنها إلى أنها صارت حزبا مقبولا لا يمكن حله وملاحقة أعضائه. وتوضيح هذه الحقيقة قبل أن ندخل فيما نود الحديث عنه مهم لأنه يعيننا على فهم ما حصل في انتخابات الثالث والعشرين من نوفمبر .

لقد فوجئت الحركة هذا العام بأمور لم تكن في حسبانها :

أولا - أن الشعب لم يتجاوب مع ثورتها بالرغم مما بذلت من الدعاية وما أشاعت من الإرجاف ، وكانت فيما يبدو تراهن على أن ثورات الربيع العربي ستؤثر فيه لكن الأيام أثبتت أنه كان أذكى منها وأكثر تعقلا بالإضافة إلى أنه شعب متدين يكره الدماء .

ثانيا- الطريقة التي أدار بها الرئيس محمد ولد عبد العزيز ثورة الحركة فقد أبدى فيها حنكة سياسية عالية وحلما يشبه حلم معاوية بن أبي سفيان فلم يسجن أحدا ولم يمنعه من التظاهر بالرغم من أن الحركة كانت حريصة على أن يسجن بعض قادتها وأشاعت مرارا أنه يخطط لذلك فصرح لها بأنه لن يسجن أحدا ، وكان الغرض من ذلك حرمان الحركة مما تريد من تعاطف الشعب معها لو سجن أحد قادتها وهو الخطأ الذي وقع فيه معاوية ولد الطايع بل تركها تتظاهر هي ومن يريد أن يتظاهر معها حتى ملوا وأملُّوا وعلموا أنه لا جدوى من ذلك كله ، ولم تلبث المعارضة أن دب بينها خلاف عميق حين أصرت الأحزاب المتعقلة على سلمية المظاهرات وعدم الاصطدام مع الحكومة ، والاصطدام معها هو ما كان يصر عليه تواصل الذي كان مدفوعا بأن الحركة الموريتانية ليست أقل من الحركات الإسلامية الأخرى التي أسقطت حكوماتِها ، كما جاء على لسان شيخاني ولد بيبه في أحد مؤتمرات الحزب.

ثالثا- انسحاب مجموعات كبيرة من الحزب ، ما يوحي بتدهور شعبيته وانكشاف بعض ما كان يخفى منه عن الناس إلا أن الحزب كان دائما ينفي أنه يعرفهم أو انتموا إليه يوما من الأيام واتهموا بعض المنسحبين بتهم خطيرة فقالوا إنهم فصلوه بسبب ما اكتشفوا من ممارسته للتنصير في البلاد مع بعض المنظمات التنصيرية، إلا أن ذلك لم يغير من حقيقة تلك الانسحابات التي طالت مدنا كاملة كبوكي التي ذكر أحد بيانات الانسحاب أنه لم يبق فيها من تواصل إلا رئيس القسم الذي ربما كان قد انسحب بعد ذلك . والمجموعة الوحيدة التي لم تعلق الحركة وحزبها على انسحابها هي محموعة الشيخ التيجاني داود نائب رئيس رابطة العلماء في الحوض الغربي وخطيب جامع الطينطان ، فقد لجأ حزب تواصل بدلا من تكذيب بيانها إلى أسلوب آخر هذه المرة هو الإغراء المادي لكن ذلك كله لم يؤثر في المنسحبين الآخرين الذين كانوا مستائين من الحزب استياء شديدا كما ورد في بيانهم: (هذه لائحة من انسحبوا بل انسلخوا انسلاخا من حزب جميل منصور وأعوانه (تواصل) وذلك بالنظر إلى ما ظهر منهم من أساليب منافية لشعار الإصلاح وانزلاقهم عن جادة الصواب قال الله تعالى: (يأيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون).

رابعا- تراجع الثورات العربية وعدم تحقق ما كانت الشعوب ترجو منها بعد استيلاء الحركات الإسلامية عليها وانكشاف وجه الغرب الحقيقي وما يبيت للاتجاه الإسلامي في الوطن العربي من الكيد وأنه إنما أعطى الإسلاميين فرصة للوصول إلى الحكم لتعريتهم وكشف مستورهم ثم محاصرتهم والتأليب عليهم لإفشال تجربتهم وهذا ما حدث فعلا في مصر وتونس. وقد رأت الحركة الموريتانية أن من كانت تعول عليه قد سقط فبقيت وحدها في ساحة لا تؤيدها وأن شعبيتها تراجعت بعد فشلها في ترحيل محمد ولد عبد العزيز فأحست بضعفها وخطأ حساباتها كلها ولكنها كانت تتجلد وتوهم الرأي العام بدعايتها العجيبة أن شعبيتها تزداد بإعلانها بين الفينة والأخرى عما تسميه انضمامات جديدة إلى حزبها فينطلي ذلك على من لا يعرف حقيقة المنضمين وأنهم ليسوا إلا أفرادا من الحركة كانوا مكلفين بالانتماء إلى بعض الأحزاب لأغراض حركية ثم كلفوا بالذهاب إلى حزب تواصل وهو أمر ينافي المنطق فما الذي فعله الحزب حتى يعجب الناس فينضموا إليه وهو مشغول بلعق جراحه الدامية من حملاته الخاسرة التي لو نجحت لجر البلاد إلى المجهول.

وكان من آخر الانضمامات الوهمية انضمام مولاي ولد إبراهيم الذي أقامت له الحركة مهرجانا ضخما أظهرت فيه احتفاءها به وبمن معه من أعضائها الذين كانوا مكلفين باختراق حزب الاتحاد من أجل الجمهورية من أجل إيهام الرأي العام أن شعبيته تتناقص وأن شعبية تواصل تتزايد ومعلوم عند المثقفين الموريتانيين أن مولاي كان من فرسان التغيير فلما فشل انقلابهم انضم إلى حزب حاتم مع من انضم إليه من أعضاء الحركة وبعد مدة وجه إلى الاتحاد من أجل الجمهورية فكان عضوا في مجلسه الوطني ثم وجهته الحركة أخيرا إلى حزب تواصل لغرض دعائي.

وكان الحزب يحس بما يصاب به من تدني الشعبية على أرض الواقع وكانت الحقيقة التي لا تخفى عليه أنه إذا قاطع الانتخابات فسينسحب منه كثير من أعضائه الذين لا ينتمون إلى الحركة وكل عضو في الحزب لا ينتمي إلى الحركة ليس مضمون البقاء في الحزب لأنه ليس إلا كغيره من أعضاء الأحزاب الأخرى الذين يدورون مع مصالحهم حيث دارت، وسيترشح المنسحبون من الحزب على قوائم أحزاب أخرى لأن المقاطعة ليست من مصلحتهم وربما تكلفهم مكانتهم الاجتماعية التي ما كانوا ليضحوا بها من أجل حزب لا يريدون منه إلا المصلحة، وإذا دخل الحزب الانتخاب ولم يحصل على نسبة مقبولة من المقاعد كان دخوله بمثابة الذي يسلط الضوء على ضعفه وتقلص شعبيته التي يحرص على أن يخفيها، ولا سيما بعد أن بدأ بريق الإسلاميين يخفت بسبب إخفاق بعضهم في إدارة الدولة وتكشف كثير من الممارسات التي كان غير العارفين بهم لا يصدقها، كالخداع والكذب والاستئثار بمناصب الدولة دون الشعب والتمكين للحركة في أجهزة الدولة أو ما كان مهدي عاكف يسميه أخونة الدولة بالإضافة إلى محاولة الغرب ومن يدور في فلكه من حكام العرب خنقهم وإفشالهم.

وهنا كان لا بد أن تستنفر الحركة قواها وتعمل بكامل طاقتها من أجل محو ما لصق بها من آثار شعار الرحيل الخاسر وقد ظهر هذا الاستنفار في استماتتها في الحصول على مقاعد في البرلمان ولو عن طريق التزوير كما حدث في واد الناقة وهو المقاطعة الوحيدة التي انكشف فيها تزوير الحركة إلى الآن وثبوت التزوير فيه يدل على أنها ربما مارست التزوير في مقاطعات أخرى لكن المال الذي أنفق بسخاء مفرط يمكن أن يقدم رشوة لبعض المراقبين لكي يتستر على كل شيء.

وتكمن قوة الحركة في أشياء أربعة : الخداع ، والمال ، والإعلام، والتغلغل في الأحزاب ومؤسسات الدولة والشخصيات المؤثرة في البلد عن طريق الاستخبارات الحركية التي ربما كانت أنشط من استخبارات الدولة في بعض الجوانب. وأكثر هذه الأربعة فائدة للحركة على أرض الواقع ولاسيما في الانتخابات الأخيرة الخداع فهو أنفع الوسائل التي حققت بها ما حققت؛ فقد كلفت الحركة أعضاءها المندسين في أحزاب منسقية المعارضة بأن يقنعوها بالمقاطعة من أجل أن تظفر بالأصوات التي كانت ستذهب إلى تلك الأحزاب لو لم تقاطع ولاسيما الأصوات التي تذهب عادة إلى حزب أحمد ولد داداه وقوى التقدم وهما أكثر أحزاب المنسقية شعبية ، ولو شارك هذان الحزبان في الانتخابات ما حصل حزب الحركة (تواصل) على بعض ما حصل عليه ، أما الأحزاب الصغيرة التي ليست لها شعبية كطلائع التغيير وحاتم فكانت مهمتها تكثير سواد المقاطعين وتشجيع ذينك الحزبين خاصة بإيهامهما أن المقاطعة ستكون سلاحا فعالا في الضغط على الحكومة من أجل تقديم بعض التنازلات، وفي هذا الإطار يمكن تفسير بقاء صالح ولد حننا ومولاي العربي مع الأحزاب المقاطعة ، فهما كما قلت عضوان في الحركة وليس لحزبيهما وزن شعبي يذكر وقد انسحب من حاتم أكثر من كان فيه من الأطر الناصرية ، أما طلائع التغيير فحزب حركي خالص ليس له وزن يذكر ، ومهمته قاصرة على مناصرة قرارات الحركة بالطريقة التي تراها الحركة.

ومن اللافت للنظر أن قوى التقدم تراجع عن خوض الانتخابات بعد أن قرر خوضها وشرع في تسجيل مرشحيه تراجعا مفاجئا مما أحدث انقساما عميقا في داخله وكانت أكثريته غير مقتنعة بالمقاطعة ومنها المصطفى ولد بدر الدين الذي صرح بذلك مرارا وقال إنه لا يمنع أحدا من الحزب أن يصوت في الانتخابات لأنه غير مقتنع بالمقاطعة ولا يرى لها فائدة ، وهذا يدل على أن محمد ولد مولود خدع أو أوهم من داخل الحزب أو خارجه بأن المقاطعة أفضل من المشاركة ، أما حزب أحمد ولد داداه فإن رئيسه الفعلي هو محمد محمود ولد أمات وهو عضو في الحركة كما قلت.

وقد حدث هذا في الوقت الذي كانت فيه الحركة تسجل ناخبيها وتعبئ قواعدها في الداخل والخارج للمشاركة في الانتخابات من أجل أن ترفع عن نفسها ما تستطيع من الحرج الذي ألحقته بها ثورة الرحيل الفاشلة ، ولكن حزبها كان يحاور أحزاب المنسقية من أجل أن يوهمهم أن من الممكن أن يقاطع الانتخابات وإنما يريد أن يشجع غيره على المضي في المقاطعة في الوقت الذي قرر فيه أن يخرج منها في وقت حدده. أوهم أعضاء الحركة إذن أحزاب المنسقية بجدوى المقاطعة وأظهروا أن تواصل وحده هو الشاذ عنها وأوهم تواصل ناخبي هذه الأحزاب أنه يشارك ليسقط محمد ولد عبد العزيز عبر صناديق الاقتراع فهو ما زال وفيا لترحيل الرئيس لكن بوسيلة جديدة فينبغي أن يساعدوه على ذلك بالتصويت له ، ومن جهة أخرى أوهم الحكومة أنه يريد إقناع المعارضة بالمشاركة من أجل أن يبتزها ولكنه في النهاية لم يحقق إلا مصالحه ، وقد نجح بسبب براعته في الخداع في بلوغ ما كان يطمح إليه وأكثر ما ساعده على ذلك جهل الحكومة والأحزاب والشعب كله بحقيقته ، ثم ما ارتكب حزب الاتحاد من أجل الجمهورية من أخطاء فادحة منها على سبيل المثال ما فعل في كيفه فقد تجاهل شعبية محمد محمود ولد الغوث فرشح بدلا منه سيدي محمد ولد محمد الراضي فترشح محمد محمود على قائمة حزب الوئام ففاز ولو رشح الاتحاد محمد محمود وضم إلى الأصوات التي حصل عليها الأصوات التي حصل عليها مرشحه لاستحوذ على مقاعد كيفه الثلاثة ، لكنه لما فرط في محمد محمود خسر مقعدين حصل حزب الوئام على أحدهما وحصل تواصل على الآخر. ولم ينسق الاتحاد مع أحزاب الأغلبية كما ينبغي فخسر بسبب ذلك بعض ما كان يمكن أن يكسب في الشوط الأول فلو نسق مثلا مع حزب الفضيلة في توجنين وتنازل أحدهما عنها للآخر مقابل أن يدعمه في مكان آخر لحسم أمرها لأحدهما من الشوط الأول.

والوسيلة الثانية هي المال الذي أنفقوا منه مبالغ طائلة في الدعاية والحملات وشراء الأصوات ، ومعلوم أن ما يمتلكه تواصل من المال ليس في يد حزب من الأحزاب الموريتانية ، وقد ظهر ذلك في هذه الانتخابات التي أنفقوا فيها من المال ما لم يكن أحد يتوقع أنهم يملكونه وذهب بعض المحللين إلى أن تركيا هي التي تولت تمويل الحزب وهو تحليل سطحي مبني على جهل مطبق بالحركة ، ولا أستبعد أن تكون الحركة وراء هذا التحليل وترويجه ووراء الادعاء بأن العلاقة بين موريتانيا وتركيا متأزمة لتصرف الرأي العام عن حقيقة الأموال الطائلة التي تجمعها وتستثمرها منذ مدة طويلة قبل أن يحكم حزب العدالة والتنمية تركيا، ولإفساد العلاقة بين الحكومة الموريتانية والحكومة التركية، وفسادُها من مصلحة الحركة وحده.

أما الدعاية الإعلامية فإن للحركة مواقع كثيرة منها الأخبار والسراج وزهرة شنقيط والمذرذرة إلخ، ومن مهامها إيهام الرأي العام أن المستقبل للحزب وأنه هو الذي بيده حل مشاكل موريتانيا بالإضافة إلى ما تقوم به من دعاية ضد الشخصيات والأحزاب المخالفة لها كالرئيس ولد عبد العزيز والاتحاد من أجل الجمهورية وتضخيم أعمال تواصل بحيث تصور أحد أعضائه وهو يتصدق بمائة أوقية وإذا حصل على بعض الأصوات ضخمتها كما فعلت في الانتخابات الأخيرة في جدة فقد صوت في أحد المراكز بالقنصلية ثمانية أشخاص صوت ستة منهم أو سبعة لتواصل فنشرت مواقع الحزب فورا أن حزب تواصل يحصد 85 % من الأصوات في أحد مراكز الاقتراع.

إن ما برعت فيه الحركة من الحيل والخداع والتغلغل في مفاصل الدولة لا يدوم ، ولا يمكن أن يظل الشعب جاهلا به، وقد بدأ الشعب يعي حقيقة حزب تواصل ويقول عنه ما يقول المصريون عن الإخوان المسلمين، والانتخابات إذا أجريت مرة أخرى في وقتها أو قبل وقتها وشاركت فيها الأحزاب المقاطعة فستعيد الأمور إلى نصابها الأصلي .

وأعتقد أنه من واجب كل فرد من أفراد الشعب أن يسلم بفوز الفائز بغض النظر عن رأيه فيه لكن ما ينبغي أن يرضى بتزوير إرادة الشعب أو اغتصابها بالحيل والخداع ويجعل ذلك عبادة لله وتمكينا للإسلام فالإسلام دين الشعب كله الذي لا يرضى به بديلا ولا يجوز أن يزايد به عليه وقد نص الدستور الموريتاني على أنه مصدر التشريع الأوحد في البلاد فليست البلاد في حاجة إلى حركة إسلامية تخادع وتزور وتفسد وتدعي وتأخذ ما ليس لها من أجل أن يحكم أناس مُعيّنون . ولكنها في حاجة إلى أن تتعلم الأحزاب كيف تتنافس تنافسا شريفا ونزيها كما تتنافس أحزاب العالم الديمقراطي فيصوت لها من يقتنع ببرنامجها، وينضم إليها من ينضم، ويخرج منها من يخرج، وتفوز مرة، وتخسر أخرى وتحكم مرة ويحكم غيرها ، وأن تجعل الأحزابُ كلها مؤسسات الدولة المدنية والأمنية والعسكرية فوق الخلاف السياسي لتكون للوطن والمواطنين جميعا ، وتدع التخطيط لابتلاع الشعب والدولة ففم الأحزاب أصغر من الشعب ومعدتها أصغر من أن تهضمه وقد ولى عهد الأحزاب الشيوعية والقومية التي تعتقد أنها تقدمية وأن الشعب رجعي وأنها أذكى منه وأكثر وطنية ، ويجب أن يذهب عهد الأحزاب الإسلامية التي ترى لنفسها العصمة من دون الشعب وأنها خليفة الإسلام وأنه يجوز لها أن تكذب لله وتخدع لله وتزور لله فالله غني عن كذبها وخداعها وتزويرها وما كان ليحل لها ما حرم على عباده جميعا.

والديمقراطية أخلاق وقد ارتضيناها فيجب أن نلتزمها جميعا إلتزاما جادا ولا يستغلها بعضنا استغلالا سلبيا من أجل أن يتوصل بها إلى مآربه. لقد حكمت الحركة الإسلامية السودان فانتهى حكمها بالفقر والتقسيم والحروب التي لا تنتهي ، وحكم الإخوان مصر ففرَّغوا الثورة المصرية المجيدة التي مات من أجلها خيرة شباب مصر من مضمونها وجروا البلد بسياساتهم الحزبية الضيقة إلى ما جروه إليه ، رغم أن الحركات في تلك البلدان لها من الإمكانات المعرفية والعلمية ما يجعلها لا تقارن بنظيرتها الموريتانية المؤلفة أساسا من ذوي النفوس الطيبة القادمين من القرى والهجر والذين لا يمتلكون غير عواطف تحرك يمينا وشمالا حسب حاجة القيادات، ولا بد أن نسجل هنا أن البلدان لا يمكن أن تدار بالصدقات وجمعيات الأيتام والأرامل رغم أن الحركة لم تفلح حتى في إدارة تلك الجمعيات حيث تسرب الفساد إليها وهدّها من أسسها كما هو الحال مع جمعية الحكمة التي تركها من أوكلت إليه في يوم من الأيام خاوية على عروشها لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ، كما أن النوايا الطيبة غير كافية لاستنهاض البلاد وتفعيل مقدراتها وإحداث نهضة حقيقية فيها . فيجب أن تتعظ الحركة الإسلامية الموريتانية من تجارب غيرها وتعلم أنها ليست خيرا منه ولا أكفأ ولا أجدر بقيادة البلد وأن الدول العربية اليوم لا ينقذها إلا تعاون الشعب كله والثقة به كله وعدم إقصاء أحد منه وأن من غير الممكن أن تجمع الشعب وهي تخادعه وتستهين به وتخطط لابتلاعه والاستيلاء على مؤسساته ، وإذا لم تقتنع بهذا فيجب على الشعب أن يحول بينها وبين ما تريد قبل أن تنتهي به إلى ما لا يريد كما انتهت الحركات الإسلامية بالشعوب العربية ، والسعيد من وعظ بغيره.

اللهم هل بلغت؟ اللهم فاشهد.

1 التعليقات:

غير معرف يقول...

نعم لقد بلغت ايها الكاتب الكريم وبلغت حقائق محددة وقد وصلت الرسالة
يخرج القارئ من هذا المقال بحقيقتين اثنتين
أولاهما أن الكاتب ناقم على الحركة الإسلامية ويحاول جاهدا أن يكشف عن سوءاتها باقتباس بعض من نصوصها تارة وباستقراء لأحداث معينة كرصاصة ول عبد العزيز ليلصقها بتحقيق سريع بالحركة تارة أخرى , ولا ضير أن يجعل الحركة متعطشة للدماء في حربها الضروس للنجاح في الفوز بكرسي الرئاسه كقول :
(لكن الأيام أثبتت أنه كان أذكى منها وأكثر تعقلا بالإضافة إلى أنه شعب متدين يكره الدماء .) وكأن الحركة الإسلامية شيء والشعب الموريتاني شيء آخر وهو ما يذكرني بأغنية لعلي الحجار يهاجم فيها الإخوان المسلمين ويقول لهم : انتو شعب واحنا شعب ومع ان الرب واحد إلا انكم ليكم رب ولينا رب .!!

ثاني الحقيقتين ان الكاتب مولع بول عبد العزيز لدرجة انه وضعه على الهرم الأخلاقي حين شبهه بصحابي كمعاوية بن أبي سفيان . ولعمري تلك عواطف جياشة وجميلة لكنها لا تحاكي الواقع في نظر الكثيرين جدا عن الرجل

شكرا لك

إرسال تعليق

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Hostgator Discount Code تعريب بلوغر ـ تطوير وتنسيق : يحيى البيضاوي