نبض اليراع نبض اليراع
twetter
recent

آخر المشاركات

recent
recent
جاري التحميل ...

لماذا عزيز في المنازلة .. وحده ؟

لايختلف شخصان على أن موريتانيا بلدٌ غنيٌّ بكل المقاييس ؛ غني بثرواته الهائلة ومساحاته الشاسعة ، غني بشعبه الذي دوّخ البلاد طولا وعرضا ونال من المجد والصيت ما لم ينله أحد من العالمين في تاريخه। كما أنه لا يختلف شخصان أيضا على أن موريتانيا بلدٌ فقيرٌ للغاية بمقاييس التنمية التي تتمحور حول الإنتاج ورفاهية الفرد ، مفارقة عجيبة لم يستطع الموريتاني المعاصر الانفكاك منها..!
وإذا كان تفسيرها من البساطة بمكان لدى كل موريتاني حيث تتداعى المعاني وتتلاحق كلمات الشتم والسبّ وعبارات التلصص وليّ الشفاه وتظهر تعابير التقزز لتمزق الجباه ، فإننا نحن الموريتانيين بالذات هم أعجز الناس عن علاجها فلقد أمضينا نصف قرن عاجزين عن حل هذه المعضلة ، وغير قادرين على مغادرة هذا التناقض الهائل الذي أصبح جزءً من تكويننا النفسي والأخلاقي : غنى وفقر ، معرفة وجهل ، ثقافة وتخلف ...

نعم نصف قرن من الزمان هو عمر الدولة الحديثة والكل منغمس في التخلف وغارق في الفساد ولم تستطع الرقيى أن تجد حلا لذلك البلد على كثرة من يرقي في حواضره وفيافيه ، ولم يستطع الاستطباب أن يجد شفاءً رغم تشخيص الداء ووضوح العلاج على كثرة من يدّعي العلاج في شوارعنا وأزقتنا الضيقة وفي صحارينا وقفارنا ...

. خمسون عاما هو عمر للفساد الذي عشعش وباض وفرخ ما شاء الله له أن يفرخ . كانت الحكومات تتعاقب لتحكم بلدا قليلا لا يتجاوز سكانه مجتمعون إحدى مدن الشرق الأوسط ، لكن ثرواته كانت ولا تزال هائلة : سمك وحديد ، نحاس وذهب، نفط وغاز ،فوسفات وملح ... و تسميات أخرى تأبى لكنتي البدوية نطقها ...يأتي الحاكم بكل شيء سوى التنمية ، ويغادر بكل شيء إلا الفقر والجهل والفساد ...

وقد يحقّ للمتتبع لشؤون هذا البلد أن يَعدلَ عن التسمية الفرنسية له فيسميه بِبلد العجائب أو بلد التناقضات و أي تسمية أخرى قد لا تعجز عن الدلالة على حالة هذا البلد العجيبة . ترى ما ذا دهى هذه الأمة ؟ أي لعنة أصابتها ...؟ لما ذا تعجز عن الاستفادة من هذه الثروات الهائلة وتتركها نهبا للصوص والفاسدين ويظل الكل يصفق وينعق ويشهق ؟ أين المثقف الموريتاني .. أين وعيه وشهامته ؟ أين رجال الدين والهدى أصحاب العمائم والتيجان ؟

أين رجال التربية الروحية والأخلاقية ذوي السلطان والهيبة ؟ " الكل أتى عليه أمر لا مردّ له "..! والكل قد اعتاد الفساد و الإفساد والاستفادة من النهب والسلب وتحطيم قيم المجتمع وأخلاقه وعاداته ليحشو بها جيبه .. أو بطنه ..! . قد أفهم الشعب المسكين الحائر عند ما يصفق مذعورا لبطل النهب والسلب ، وقد أفهمه كذلك عندما ترتعد فرائصه أمام وعيد جبار مستكبر جعل الناس عبيدا له وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ...

وقد افهم أولئك المساكين عندما يصمتون ويكتفون بالحديث مع النفس لأن الجوع لم يترك لهم صوتا، والمرض لم يدع لهم قدرة على الحديث ... لكنني ـ والحق يقال ـ لم أستطع أن أفهم أولئك المساكين عندما يضعون أيديهم على أفواههم ويتركون رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز اليوم ينازل أسودا أكلوا لحم البشر وشربوا من دمائهم ولا أحد .. من الناس يتحرك ... ولا يبسّ ببنت شفه ...!

لو كان هذا الشعب المسكين فيه بقية من حياء أو حياة لكان قد خرج يوم أن مد الرئيس أصبعه نحو قارون وهدد هامان ... لو ترك لنا الأولون السابقون في الفساد وحزبه شيئا من القدرة على التعبير لخرجت المسيرات تلو المسيرات ولانفجر الشارع وانطلق من عقاله ولشعر الناس بإمكانية الحياة وقدرة ربّنا سبحانه على الموت وعلى النشور .أين الجمعيات الوطنية والنقابات أين الأحزاب والحركات ... لا شك أن الكل قد هاله ما رأى .. لقد عودنا السابقون أن الرؤوس في مأمن ويتولى الضعاف عنهم العقوبة.

أما وأن يبدأ عزيز بالرؤوس هذه المرة ،وكأنه يردد بفمه الملآن مثلنا الشعبي " إذا ضرب الإمام خاف المؤذن "، إنها لقدرةُ قاهرٍ عزيزٍ . إن تأييد الشارع لهذه المسيرة الإصلاحية أمر ضروري وحاسم بل هو واجب تتحمله القوى الحية لتدعم مواقف القيادة التي طالما خذلتنا وتساعد من خلاله لتؤسس لِخطٍّ من الوطنية والقيادة الراشدة نحن في أمس الحاجة إليه .

وها نحن نشاهد اليوم العجب قيادة تحارب الفساد ومعارضة تغطي عليه وترد عنه لعل هذا بعض التناقضات العجيبة التي ملأت سماءنا منذ خمسين عاما ... أما أنا فلا أشك في أن قادة المعارضة في بلدنا يخافون أن تطالهم الحملة التي بدأت مع بداية العهد الجديد والكل يعلم أنهم كانوا غارقين في الفساد ذات اليمين وذات الشمال . لقد سمعت أحدهم يقول إنها تصفيات سياسية للخصوم .. على من يضحكون ولماذا يكذبون .

لقد انفضحت سوأة هذه المعارضة ولم يعد لها ما تقدمه للشعب . ولعل عزيز يدرك اليوم أكثر من ذي قبل أن المحيطين به والمقربين منه، بما في ذلك كثير من أفراد حزبه،هم جماعات ميّتة لا يعني تَولّيها نحو برنامجه شيئا يذكر فهم دائما مع القوي الذي يقترب من إدارة المال العام ، فهم يكثرون عند الطمع ويقلون عند الفزع .

وإلا لكان حزبه هو أول من تحرك وعقد الندوات وفسّر للشعب نتائج هذا الحدث الجلل المتمثل في لجم المفسدين وغلق أفواه الشره والابتلاع للممتلكات العامة ، وفسر للناس أن هذا هو الطريق الوحيد نحو التنمية الحقة التي سيشعر بها كل موريتاني في مخدعه أنى كان وبدون هذه الخطوات سنظل كمن يريد أن يجمع ماءً في غربال ، وذالك عين المستحيل .

على السيد رئس الجمهورية ـ إذن ـ أن يعلم أنه في مذأبة إن صح التعبير وكل من حوله ممن أعلن له الولاء وممن لم يعلنه له ذئاب بشرية تعودوا نهش الأيتام وسرقة الأرامل وأكل المال العام ، وعليه أن لا يعول كثيرا على أناس عاشوا وتربوا في أحضان الفساد والمفسدين .

ولو وسّع السيد الرئيس مجال الإصلاح ليطال الجذور وليعمل على أن تشارك فيه بقايا كل القوى الحية القادرة على النهوض بالبلد لكان ذلك أدعى إلى قبول مشروعه وتفهمه والانصهار فيه .

و لا أنسى المجال التربوي فهو مصنع الرجال ولا بد أن يجهّز بخطط جديدة قادرة على تفهم حاجات البلد والبناء وفق منظورها ، وهنا أجد الفرصة سانحة لألح مع الملحين من الغيورين الوطنيين والشرفاء على ضرورة استعادة حقنا الدستوري في جعل لغتنا العربية لغة الدراسة العلمية والإدارة، فلا مبرر لإقصائها وإحلال محلها اللغة الفرنسية التي بدأت تتقلص في معقلها الرئيس وموطن نشأتها الأول لصالح اللغة الانجليزية هذا ما شهد به الفرنسيون أنفسهم .

لقد سوّق الفاسدون للمسؤولين سابقا أن اللغة العربية عاجزة عن ملاحقة العصر علميا وتقنيا ، وهو كلام فاسد وغير صحيح فاللغة بريئة وهي مجرد أداة اتصال ، ولن تكون لغتنا أكثر تعقيدا من الصينية أو اليابانية أو الكورية ومع ذلك لم تتخل عنها شعوبها ، ولا شك أنهم أكثر رقيا منا ومن محيطنا الإقليمي الذي شدّه المستعمر إلى ثقافته عبر لغته الاستعمارية منذ عشرات السنين .

فاللغة ليست مجرد اتصال بل هي مخزون الأمة الثقافي وإرثها الاجتماعي وعقلها الباطني لهذا كانت الشعوب الحية متمسكة بلغاتها ولم يَحُلْ ذلك بينها وبين التقدم . وأخيرا أتمنى أن يقدر المثقفون قيمة هذه الخطوات الجبارة التي بدأها السيد الرئيس في محاربة الفساد وأن يعملوا كل ما في وسعهم لمؤازرتها والإعلاء من شأنها وتوضيح بعض الشبهات التي يرمي بها الفاسدون في طريق هذه المسيرة الإصلاحية الكبرى .
 
والله حسبنا ونعم الوكيل ،،،

كاتب الموضوع

نبيض اليراع

0 تعليق على موضوع : لماذا عزيز في المنازلة .. وحده ؟

  • اضافة تعليق

  • الأبتساماتأخفاء الأبتسامات



    إتصل بنا

    التسميات

    أعلن هنا

    عدد زوار المدونه

    جميع الحقوق محفوظة لـ

    نبض اليراع

    2023