إ الأستاذ الدكتور مختار الغوث لشبكة الرواد الثاقافية : كنت صغيرا أيام هجرتنا إلى الحجاز وكنت أعتقد أننا مرتحلون إلى الجنة .. ~ يراع ـ البيضاوي

الاثنين، 10 أبريل 2017

الأستاذ الدكتور مختار الغوث لشبكة الرواد الثاقافية : كنت صغيرا أيام هجرتنا إلى الحجاز وكنت أعتقد أننا مرتحلون إلى الجنة ..

أ.د. مختار الغوث
الأستاذ الدكتور مختار سيدي الغوث من أبرز شخصيات الجالية الموريتانية بالحجاز ، مفكر وكاتب وأستاذ جامعي له باع طويل في مجال الفكر والثقافة الإسلامية ، وهو مهتم بتطوير أفكار الشباب ونشر الوعي الثقافي في الأوساط  الشبابية، له مقالات وبحوث مبثوثة في الشبكة العنكبوتية كما أن له كتبا في مجالات الأدب العربي والفكر والثقافة الإسلامية  منها على سبيل المثال :

- لغة قريش

- الشعر القرشي في القرون الثلاثة الأولى

- الحقيقة والخيال في الغزل العذري والغزل الصريح

- العقل أولا

- في بناء الفكر

- الحركة الإسلامية في تركية

بالإضافة إلى كتب أخرى وبحوث متخصصة .

شبكة الرواد الثقافية تحاوره  اليوم  نيابة عن قرائها  الكرام ، ونحن ممتنون  لفضيلته كل الامتنان على قبول الدعوة التي وجهناها إليه بهذا الخصوص .

فضيلة الدكتور مختار السلام عليكم ورحمة الله

ج ـ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

لنبدأ بالسؤال التقليدي  ، بطاقة تعريفية لشخصكم الكريم :

    ـ من هو الدكتور مختار الغوث ؟

ج- موريتاني مجاور بالمدينة المنورة.

    تاريخ ومحل الميلاد

ج- عام 1963 م.

    بلد المنشأ:

ج- كيفة.

    البدايات الأولى للتعليم:

ج- تعلمت القراءة والكتابة على أبي رحمه الله، وحفظت عليه أجزاء من القرآن الكريم، ثم انتقلت إلى غيره، فدرست عليه القرآن والتجويد، وفي أثناء ذلك دخلت المدرسة.

    - متى هاجرتم إلى الحجاز؟ كيف تمت الهجرة ؟ هل بقيت معكم أشياء في الذاكرة من تلك الرحلة  ؟:

ج- هاجرت إلى المدينة مع والديَّ، وكانت هجرتنا من البلد عام 1970 م، وكان سفرنا برا. وما أذكر أنه كان في رحلتنا أمر غير عادي.

    - لا شك أن الأهل كانوا يحدثونكم عن وجهة الرحلة حيث الحرمان الشريفان مكة المكرمة والمدينة المنورة  ما هو الشعور الذي كان يراودكم عن المنطقة وأنتم في الطريق ؟ وكيف كنتم تتوقعون طبيعة المنطقة ؟  وهل تتذكرون أن الصورة التي كانت تسكن مخيلتكم عن المنطقة  كانت أكبر مما هي عليه في الواقع أو مبالغا فيها أكثر، هذا بالنسبة للمجتمع وحاضرته العمرانية خصوصا وأن بلد منشئكم كان في الريف الموريتاني ؟

ج- كنت صغيرا، وما كان لي تصور للجهة المقصودة، ولا كنت أعرف الحرمين الشريفين، ولا أتخيلهما، وإنما كنت أظن أننا مرتحلون إلى الجنة، ومقبلون على حياة ليست كحياتنا الدنيا، غير أني ما كنت أتخيلها.

    - من تتذكرون من الأعيان البارزين في مجتمع الشناقطة آن ذاك الذين كان صداهم يتردد في منطقة  الحجاز ؟ هل قابلتم أحدا من أولئك الأعيان؟

ج- لم تكن لي معرفة بالأعيان ولا بالوجهاء، لصغري، ولأن أبي -رحمه الله- كان مشتغلا بنفسه، مقبلا على ربه، زاهدا في معرفة الناس، إلا أهل العلم والصلاح، وقد رأيته يتردد زمنا على الشيخ محمد الحسن بن سيدي، والشيخ محمد المختار بن يوسف، والشيخ أحمد بن يباه، والشيخ أعمر بن حب الله، وكان الأخيران جارينا في الحي، رحمة الله عليهم جميعا، وكان تردده عليهم لأخذ العلم عنهم، وكانوا من الفقهاء الصالحين، من أجل ذلك كان يحبهم، كما كانوا يحبونه ويجلونه أيما إجلال.

    - الدكتور هل انخرطتم في التعليم الحديث بمدارس المدينة المنورة مباشرة أم تأخر ذلك قليلا ؟ ما هو موقف الوالدين ( رحمهما الله ) من التعليم الحديث ؟ هل كانا يتحفظان عليه أم لا ؟

ج- دخلت المدرسة في العام الثاني من قدومنا المدينة المنورة، وما كان أبواي –رحمة الله عليهما- يجدان حرجا في ذلك، وكانا يتبينان الفرق بين المدارس هنا، ومدارس موريتانية في عهد الاستعمار.

    - كيف جمعتم بينه وبين التعليم التقليدي مثلا حفظ القرآن الكريم ودراسة الفقه وعلوم اللغة بالطريقة التقليدية؟

ج- المدرسة التي دخلتها كانت تزيد على المقررات العامة تحفيظ القرآن، وكنت أذهب إليها صباحا، وإلى شيخ كان يقرئني القرآن عصرا، وظل ذلك دأبي حتى أتممت عليه حفظ القرآن، وكنت بعد ذلك أختلف إلى بعض علماء الشناقطة في الحرم، فدرست عليهم النحو والصرف والعروض والمنطق، وأنا يومئذ في الثانوية، وكانت دراستي عليهم بين العشاءين.

    - كيف تُقدّر نسبة التمدرس آنذاك في الجالية الموريتانية ( المقيمين ) هل كانت نسبة معتبرة ؟ هل كنت تسمع بأن بعض الأسر الموريتانية المقيمة في المنطقة كانت آنذاك تمنع التحاق أبنائها بالمدارس ؟

ج-ما كانت لي معرفة بالناس، سوى أن المدرسة التي كنت فيها كان فيها كثير من أبناء الشناقطة في سني أو أصغر مني أو أكبر قليلا، ولعل ذلك من أنها كانت تعلم القرآن، وكنت أسمع أن بعض الرجال يمنعون أبناءهم الدراسة، ويبدو أن ذلك كان في الجيل الذي يسبق جيلي وما قبله، وكان سبب المنع الخوف على معتقد الأبناء، والزهد في الدنيا، والتأثم عن التكسب بالعلم.

    - لما أنهيتم تعليمكم الثانوي هل كنتم قد قررتم مواصلة المشوار الدراسي أم أن تلك الفكرة جاءتكم في اللحظات التالية على التخرج ؟ هل كان في الجامعات السعودية بعض أبناء الجالية المقيمة مما شجعكم ذلك على طلب الالتحاق بالجامعة ؟

ج- ما بلغت الصف الخامس حتى كنت قد أبصرت طريقي. أما أبناء الجالية الموريتانية، فلم تكن لي علاقة بهم؛ فأعرف من كان منهم بالجامعة، ولم أكن في حاجة إلى من يشجعني على مواصلة الدراسة، فقد اختطت لي العلاقة بالكتاب منذ الصبا طريقا، وسلكتْ بي مسالك غير التي كان يسلكها أكثر الأتراب من أبناء الجالية.

    - ما هو صدى التحاقكم بالتعليم الجامعي على مستوى الأهل و المحيط الاجتماعي ؟

ج- كان والداي يحبان أن أتم دراستي، على ألا أخرج من السعودية، فقد كان سفري يشق عليهما، لحبهما إياي، وخوفهما علي؛ فما كنت منذ بلغت الصف الخامس الابتدائي أبرح المنزل، ومن كان كذلك عزَّ على والديه فراقه لا محالة، هذا إلى زهدهما، وما كانا يحبان من أن أكون مثلهما في الزهد وما يقتضي من قصر الأمل، وقلة الطموح، والرضا بما يكون، وأن تكون غايتي الجوار، على أي حال أتيح، كما هي غايتهما. وقد يسر الله لي القبول في جامعة الملك سعود بالرياض، وكان فصلي الدراسي الأول صعبا على أهلي، ولا سيما الوالدة، فقد كانت المرة الأولى التي أفارقها فيها، وكان لذلك وقع عليها أليم -رحمها الله-، ثم طابت نفسا بالفراق، واطمأنت، وصار من المعتاد أن أغيب عنها فصلا دراسيا لا تراني، إلا أن أتصل بها.

    - الدكتور كيف كنتم تجدون المجتمع المحلي آنذاك ما مدى تقبله للمهاجرين وللشناقطة خصوصا ؟

ج- كان مجتمعا طيبا، كنا متحابين، وعلاقتنا بجيراننا علاقة حسنة، وكنت أونس من جيراننا الرجال حبا لأبي –رحمه الله-، وكذلك كانت العلاقات بين النساء، أما الأطفال، فكنا أصحابا، نلعب معا في الحي، ليل نهار.

    - الحجاز قبلة لكل الهجرات من شتى الأقطار الإسلامية والثقافات فما هو مستوى تفاعل الجالية مع محيطها الاجتماعي المتعدد الأعراق والثقافات في الحرمين الشريفين؟

ج- أهل الحجاز طيبون ومنفتحون منذ القدم، حتى أهل العصر الجاهلي منهم، ومن أدرك منهم سلف الشناقطة كان يحبه ويجله، وكان جديرا بذلك، فقد كان سلفا قليل النظير. غير أن طبيعة البداوة مالت بالشناقطة إلى العزلة، والرغبة عن الخلطة، هذا إلى أن ذلك السلف إنما جاء المدينة ليموت بها، ولم يكن له أرب آخر؛ فما كان يفكر من أجل ذلك في شيء غير الاستعداد لما بعد الموت، ومن كان كذلك استقصر الدنيا، ورأى أن العمر أقصر من أن يقضى في غير العبادة، ولا سيما أن كثيرا من ذلك السلف كانوا مسنين، وقد تركوا موريتانية وهي أحسن ما تكون، وهو دليل على شدة حبهم المدينة، وحرصهم على التفرغ للعبادة، والاشتغال بها عن كل ما سواها.

    - فضيلة الدكتور مختار الغوث هل ترون أن مجتمع الشناقطة وهو المجتمع البدوي المنغلق على نفسه كان يستفيد من التجارب التي مر بها هنا في منطقة المهجر ؟  بمعنى آخر هل كنتم تلاحظون أنه كان يتطور نحو الأحسن ؟

ج- الشناقطة الأولون لم يستفيدوا، لأنهم ما جاؤوا يريدون الاستفادة، أما المتأخرون، فاستفادوا، وتطوروا كثيرا عما ألفيتهم عليه، فقد درسوا في الجامعات، وحصلوا على أعلى الشهادات، وتبوؤا المناصب، غير أن ذلك كان مشدودا إلى ثقافة البداوة، ولذلك ظلوا في عزلة اجتماعية ونفسية وثقافية، وقلَّ أن تجد منهم من خرج من تلك العزلة، ومن تخلص منها في جانب، وقع في جوانب أخر. وهي معضلة، أظن أن من أسبابها كثرة القادمين من الشناقطة، فإن كثرتهم تجعل المرء يستغني بأهله عن غيرهم، والحاجة إلى الغير من أهم أسباب الاندماج فيه. هذا إلى القبلية التي تبني العلاقات على النسب، وتجعله معيارا في المنزلة الاجتماعية، وترغم على البقاء في الإطار الذي تحدده تلك الثقافة.

    - تشكو الجهات الرسمية في القنصلية الموريتانية من صعوبة تنظيم الجالية وترى أن خدمة الجالية الخدمة المثلى تترتب على تنظيمها وتأطيرها في بناء هيكلي منسجم ؛ لهذا حاول بعض القناصلة قبل فترة إيجاد لجنة تشرف على الجالية وتكون بمثابة الوسيط بين الجالية والجهات الرسمية الموريتانية ويبدو أن تلك التجربة كانت تتكرر مع القناصلة الذين جاؤوا بعده ما هو تقييمكم لهذه التجربة ؟ بما ذا تنصحون الجهات المسؤولة في القنصلية الموريتانية في هذا الصدد ؟

ج- إنما تؤلف اللجان لإنجاز مهام مقررة، ولا تؤلف ليلتمس لها ما تعمل، وليس عند القنصلية الموريتانية ولا غيرها من القنصليات ما يحتاج إلى لجان من غير موظفيها الرسميين، وإنما القنصلية دائرة حكومية، تقوم بما حددت لها الحكومة التي بعثتها، في الإطار الذي ترسمه الأعراف الديبلوماسية، وليس من دأب الدوائر الحكومية أن تؤلف لجانا من الشعب، تعينها على أداء ما يوكل إليها، أما تنظيم الجاليات فما أتصور كيف يمكن أن تقوم به القنصلية، فإن أردت به من ينقل إليها مطالب الجالية، ففي وسع كل موريتاني أن يقترح على القنصلية ما يشاء، فتنظر فيه وتعمل على إنجاز ما ترى أن فيه مصلحة الجالية، في الحدود المرسومة لها، وإن أردت أن تتولى اللجنة إطلاعها على أمور الجالية، فتلك مهمة القنصلية وحدها، ومعلوم أن لكل قنصلية قنواتها التي تستقي منها المعلومات، وليست في حاجة إلى لجنة تتولى ذلك عنها. أما الوساطة بين القنصلية والجالية، فما أرى أن يكون بين الجالية والقنصلية، ولا بين الحكومة والشعب وسيط، فمن كانت له حاجة عندها استقضاها بنفسه، وليس في حاجة إلى من ينوب عنه. وحاجات الجالية إلى القنصلية محدودة، ومعروفة، ولا تحتاج إلى وسيط. وليست مهمة القنصلية أن تكون وسيطا بين الجالية والحكومة، وإنما ينبغي أن تكون القنصلية عارفة بشؤون جاليتها، وأن تنقل من أمرها إلى الحكومة ما ينبغي أن ينقل، وأن تقترح عليها ما ترى أن فيه مصلحة لها. نعم، لبعض الجاليات في السعودية لجان تمثلها، لكن هذه اللجان لم تؤلفها القنصليات ولا السفارات، وإنما ألفتها الجاليات بمنأى عن البعثات الديبلوماسية، وهي تتولى تنظيم ما يحتاج إلى تنظيم من أمور الجالية بالتراضي بينها، وتتحدث إلى قنصلياتها باسم جالياتها فيما ترى. وهذا يختلف عن اللجنة التي أشرت إليها.

واللجنة التي ذكرت لم تنشئها القنصلية أول مرة عن حاجة إليها، وإنما اقتُرِحت عليها، وزين لها أن تنشئها، ففعلت، وقد حدثني القنصل الذي أنشأها أول مرة (البكاي) بما يدل على شديد امتعاضه مما ترتب على إنشائها، وندمه عليه؛ بما سبب له من حرج، وما ترتب عليه من نزاع سياسي وقبلي، كان غنيا عنه. ولا غرو أن يكون ذلك أو بعضه، فالمجتمع الموريتاني -كما تعلم- حديث عهد بالسياسة المنظمة، وليس عريقا في الديمقراطية، وهذا يجعله يقحم السياسة والقبلية في كل شيء، ولا يفهم العمل إلا أن يكون كذلك، ولا يعي ما فيه من جسيم الضرر على المجتمع. فالسياسة موطن خلاف؛ لأنها قائمة على الحزبية، وما يتبعها من تخالف المصالح، أو تناقضها، وإذا اشترك المختلفان من أهلها أمرا، تنازعاه، وحاول كل منهما أن يميل به إلى حيث تقتضي مصلحته، فإن فاءا إلى الوفاق تقاسماه، ثم ظل كل منهما يتربص بالآخر ليقتطع منه بعض ما سلم له به، أو يزيحه عما نال أو عن بعضه، إن كان يرى أنه فوق ما يستحق، أو أنه هو نال دون ما كان يحب أن ينال، وقد تضيع من أجل ذلك المصلحة العامة، لأن الصراع ينسي الاعتبارات غير السياسية. والمشترك من أمور المجتمع العامة ينبغي أن يجنب السياسة الخاصة والعامة، إن أريد أن يكون موطن إجماع وتعاون، تغيب عنه المعارك والنزاعات. والذي يتولى هذا ونحوه في المجتمعات الديمقراطية هو ما يسمى "منظمات المجتمع المدني"، وهي منظمات تطوعية، لا شأن لها بالسياسة، ولذلك كانت وسيلة من وسائل توحيد المجتمع، لأن أبواب التنازع فيها مغلقة، ولا مكان فيها للسياسة، ولذلك ترى المجتمع العريق في الديمقراطية أكثر تماسكا وتعاونا من غيره؛ لأن السياسة عنده محصورة في مجالات بعينها، لا تتجاوزها، وتجد الخلاف السياسي في غيرها من البلدان يجر ذيله في كل شأن من شؤون الحياة، على وجه ينال من لحمتها، بل قد يهدد وحدتها الوطنية، بما يستثير من خصومة وتنازع، على أتفه الأشياء.

    - الدكتور ألا تقلق من هذا الكم الكبير نسبيا لشباب الجالية الذين يحاولون التكيف مع واقعهم  ويعيشونه بالطريقة التي عاش بها أسلافهم رغم أن الواقع يتعقد أكثر بمرور الزمن والمخاطر تتربص بالعاطلين منهم وغير المكونين أو الذين لديهم تكوين ثقافي ضحل أقصد تلك المخاطر المعروفة على مستوى الأمن والأخلاق وما شاكل ذلك .. ؟

ج- بلى، يقلقني حالهم كثيرا لهذه الأسباب، ولأسباب أخرى، هي أنهم طاقات مهدرة، يهدرها بلد من أحوج البلدان إلى أبنائه، لقلة سكانه، وعظم مساحته، وكثرة خيراته. ويحزنني التفريط في عبقرياتهم ومواهبهم التي لو رعيت، وأتيح لها أن تَتفتق، لكان لهم شأن في تنمية البلد! ويحزنني ألا أرى لهم مخرجا مما هم فيه، وأن التربية التي ربوها جعلت آذانهم صما عن عذل الشفيق، وأكسبتهم مناعة من التفكير الإيجابي الذي يقود إلى تغيير ما بالنفس، والتمرد على ما هم فيه من بؤس. ويحزنني أن بلدهم بلد عريق في الفساد، فقير في الرؤى وخطط التنمية، ويعز فيه السياسي الوطني النزيه الناضج، كما تعز العقول التي تفكر في بناء الوطن، ولكنه غني بعشاق الرياسة، المتعطشين إلى الحكم، على تساويهم في العجز عنه. ويقلقني أن هؤلاء الشباب سيعودون قريبا إلى البلد، وفي نفوسهم حسرة على ما أهدروا من شبابهم وطاقاتهم، وعلى مواجهتهم حياة، لم يستعدوا لها، ولم يحدثوا أنفسهم يوما بأنها قد تفرض عليهم، وبلدهم بلد طارد، ورجوعهم إليه يزيده ضغثا على إبالة، ولم يفكر هو أيضا في أنهم قد يعودون إليه، على أنه لو فكر، ما حرك ساكنا.

    - بما ذا تنصحهم ؟

-لولا الأمل، لقلت: "سبق السيف العذل"، ولكن قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها"، يصرفني عن ذلك إلى القول: إن السير في اتجاه تؤملون منه خيرا، ولو كان متأخرا، خير من التمادي في السير في اتجاه قد بلوتم ما صنع بكم:

وما صبابة مشتاق على أمل    من اللقاء كمشتاق بلا أمل

 فاعملوا، فكل ميسر لما خلق له، و(لا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون)، (وما تدري نفس ماذا تكسب غدا)!

    - هل تقترحون حلولا من نوع ما لتغيير هذا الواقع ؟ وهل ينبغي للدولة الموريتانية أن تكون قريبة من أي حلول تستهدف شباب الجالية ؟ ما ذا يتوجب على الدولة الموريتانية تجاه شباب الجالية ؟

ج- الاقتراح على من لا يبالي فضول. ماذا فعلت "الدولة الموريتانية" لشباب موريتانية في موريتانية؛ فأقترح عليها أن تعمل شيئا لشباب الجالية؟ أما الشباب، فأقترح عليهم ألا يؤملوا خيرا إلا من الله ثم من أنفسهم، وألا يعولوا إلا عليه ثم على أنفسهم وعلى جدهم في تغيير ما بأنفسهم، ومن جدَّ في تلمس الطريق لم يعدم من يهديه إليه. (وعلى الله قصد السبيل).

    - ما هي الرسالة التي توجهونها إلى مجتمع الشناقطة في الحجاز وخاصة الشباب؟

ج- (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).

في الوطن :

    - في أرض الوطن هناك توتر متصاعد الآن حول موضوع تعديل بعض المواد في الدستور ما موقفكم من هذا الموضوع؟

ج- ما أنا بسياسي؛ فيكون لي منه موقف، فإن قصدت رأيي، فأرى أنه صراع على الحكم والمنافع، ليس إلا، كان يتوسل إليه بالانقلابات، فصار يتوسل إليه بما ترى، ولكنه يلبس كل يوم قناعا، ويتذرع بغير ما تذرع به أمس، وهي عادة السياسيين، يخلعون على مصالحهم وأهوائهم أردية من الوطنية، وأكسية من الديمقراطية، يخادعون بها الشعوب، والرأي العام عن مآربهم، والوطن أكبر خاسر مما يأتون. وهذا يدلك على أن النخبة السياسية في موريتانية، كالنخبة السياسية في كثير من البلدان العربية، لا يعول عليها، وما ينبغي أن يوثق بأن في جعبتها ما هو خير مما في جعبة الحكومة التي تعارض.

    - هل ترون أن الطرفين بالغا كثيرا في الموضوع ؟ أم أن الموضوع يستحق تلك الجلبة وذلك التوتر المتزايد ؟

ج- من كان تفكيره في منافعه وحدها، بالغ، إذا ظن أن المبالغة تدنيه مما يريد، وإلا فليس في الأمر ما يستحق كل ما نرى من جعجعة: زيادة لون في العلم، وتغيير نشيد، ولا تضر الزيادة ولا تنفع، كما لا يضر التغيير ولا ينفع، بل لا يضر موريتانية ألا يكون لها علم ولا نشيد، وإنما يضرها ما هي فيه من تنازع، يستنصر فيه العدو. وإنما كان ينبغي أن يتحدث عن تغيير هذين إذا كانت الدولة مقبلة على تغيير دستوري أكبر وأشمل وأهم، فإن لم يكن إلا تغيير هذين، فينبغي أن يكون بقانون يسنه مجلس النواب، ولا حاجة إلى استفتاء، يكلف من المال ما ليس في خزينة الدولة، وإن كان فيها، فما أشد حاجة الشعب والوطن إليه! ومن لم تشغله جلائل الأمور شغلته صغائرها.

أما إلغاء مجلس الشيوخ، فكان رأيَ كثير من الموريتانيين، فيما أعلم، منذ أعوام، وكانت حجتهم في ذلك عدم الحاجة إليه، أولا، وما يكلف خزينة الدولةـ ثانيا، وهو رأي وجيه، ولا غبار عليه، في نظري. فلما قررت الحكومة إلغاءه جُعِل ذريعة إلى معارضتها والتشنيع عليها. وهو دليل على أخلاق النخبة السياسية في موريتانية، ومبلغ نضجها ووطنيتها، وما يذكرني إلا بگاف، تقوله امرأة في تربُّص أحمائها بها، وقلبهم محاسنها مساوئ، تقول فيه:

إلْبِسْتْ الگارَ    گالوا إنِّ غارَ

وْدِرْتْ الحِنَّ    گالوا إنِّ جِنَّ

وهو بالخلاف المزاجي أشبه منه بالخلاف الوطني المسؤول، الذي يعارض ما فيه مضرة، ويناصر ما فيه منفعة، ولو كان الذي يأتيه خصما سياسيا؛ لأن معارضة ما فيه مصلحة الوطن معارضة للوطن، لا للحكومة. والذي ينبغي أن يعارض من أعمال الحكومة هو ما أخطأت فيه، لا ما أصابت. فإذا استوى عند العارضة هذا وذاك كانت معارضة شخصية.

    - يعتقد البعض أن تغيير العلم لا تدعو إليه ضرورة ملحة وأن النشيد الوطني يحمل روحا إسلامية يخشى البعض من اختفائها، أما الشيوخ فهو تقليد جرت به العادة في بعض الدول المتقدمة كيف ترون أنتم ذلك ؟

- نعم، لا تدعو إلى تغييرهما ضرورة ملحة، ولا تدعو إلى إعلان الحرب عليهما ضرورة ملحة. أما النشيد الوطني، فأرى أن يغير، أما أولا؛ فلأن أنغامه وإيقاعه بدائية، ولا تسيغها أذن من يتذوق الموسيقى، وما يسرني أن يكون ذلك الإيقاع وتلك الأنغام من رموز موريتانية الثقافية، ولا أن تعرف به موريتانية في العالم، وأما كلماته، فنصيحة طيبة، ما ينبغي يتجاوز بها مجالها الذي قيلت فيه، ولكل مقام مقال. وأما أنه يحمل روحا إسلاميا، فما أرى أن تغييره يستوجب استحداث نشيد مجرد من ذلك الروح. وأما العلم، فما أرى تغييره، وهو عندي أفضل من المقترح. أما أن مجلس الشيوخ تقليد في بعض الدول، فالتقاليد وحدها لا تسوِّغ إبقاءه، كما أن تقاليد الدول التي لا مجالس للشيوخ فيها لا تسوغ إلغاءه، وإنما تسوغهما الحاجة و عدمها، وكونه أهلا لما ينفق عليه من المال أو ليس أهلا له.

    - يبدو أن الأغلبية تسير نحو الاستفتاء على تلك التعديلات ما هي توقعاتكم لنتائج ذلك الاستفتاء  المزمع ؟

ج-إن صح أن النواب الذين صوتوا للتغيير يمثلون الشعب، وأن من يمثلون يميل حيث مالوا، فسيصوت الشعب للتغيير، هذا إلى أن شعبية الرئيس محمد بن عبد العزيز -فيما أرى- أقوى من شعبية المعارضة، وأن العلم والنشيد ليس لهما من الرمزية في نفوس الشعب ما يعطفه عليهما، أما إلغاء مجلس الشيوخ، فما يخفى وجه المصلحة فيه على من ليس بمعارض.

    - هل ترون أن ضجيج المعارضة الحالية وتصلب السلطة القائمة هو الطريق الصحيح لخلق أجواء ديمقراطية في البلد ؟ بما ذا تنصحون الطرفين؟

ج- للحكومة والمعارضة رأي، هما فيه ماضيتان، حتى تريا وزنيهما في الشارع. أما الديمقراطية، فما أرى أن لها مكانا عند النخب السياسية في موريتانية، مذ رأيت معارضتها تستعدي الجيش على خصمها السياسي، وتسأله الانقلاب عليه، وهي تزعم أنها إنما تعارضه لأنه انقلب على سلفه! هذه ليست سبيل الديمقراطية، ولا سبيل من يريد أن يسن للوطن سنة، تتبع. ومن لم يرض بنتائج الديمقراطية ويسلم بها، لا يمكن أن يكون رسولها، وإن تجمَّل بها في عين من لا يعرفها.

    - حول العمل الإسلامي :

منذ مائة عام تقريبا والحركات الإسلامية تنشط يمنة ويسرة تريد نشر الوعي بضرورة عودة الخلافة أو الحكم الإسلامي الراشد، هل ترون أن تلك الجهود كان لها ما يبررها أم أنها كانت ناقصة ؟ ولماذا ؟

ج- نعم كانت لقيامها مسوغات، لكنها لم تأت البيوت من أبوابها؛ لأن الذين أسسوها أول مرة كانوا رجالا صالحين، أيقظوا الأمة من نومها، وأحسنوا تربية من تابعهم منها، ولكنهم ما كانوا مفكرين ولا سياسيين، فأحسنوا فيما يعرفون، وقصروا فما لا يعرفون، وكان من أخطائهم أن ظنوا أن الأمة لا يصلح لها شأن حتى تتبع الحركات، وتنتقل إليها، وتسلم لها زمامها، لتقودها حيث ترى، ورأت أن في دين كل من ليس منتميا إليها نقصا، لا يسده إلا متابعتها والانتماء إليها، ونصبت فسطاطا، زعمت أن الأمة لن تبلغ غاياتها إلا إذا دخله جمهورها. ثم خلف من بعد القيادة المؤسسة من كان التنظيم أغلب عليهم، وكانوا أقل علما وفكرا من سلفهم، فاشتغلوا بالحشد والتنظيم، وغفلوا عن أن المشروع الإسلامي مشروع أمة، ولا قيام له إلا بها، على اختلاف منازعها ومشاربها، وتفاوتها في الصلاح والاستقامة، الظالم منها لنفسه، والمقتصد، والسابق بالخيرات، وكل مجتمع هو الذي يحدد الوسيلة التي يقيم بها ما يخصه من هذا المشروع، وليس لزاما أن يأتمَّ بحركة، أو يسلم لها قياده، وترتب على غياب هذه الرؤية أن انعزلت الحركات، وصارت ترى لنفسها من الصلاح والمثالية والاستقامة على الطريق، والانفراد بحمل راية الإسلام وتمثيله دون غيرها ما لا يسلَّم لها، ثم خاضت السياسة، تعادي وتوالي، وتتحزب، وتتعصب، فكان لزاما أن يتقلص ظلها، وينظر إليها بعين غير التي كانت ترى بها، إذ كانت أدبيات مسطورة، وعظات منثورة. هذا إلى أن بعضها استعدى الحكومات، إذ قدم نفسها بديلا لها، فكان لزاما أن تنازله من حيث هو خصم سياسي، يريد الحلول محلها، قبل أن يكون مشروعا، يخالف سياستها، أو عقيدة تخالف فكرها. فكان من السجن والقتل والتعذيب والتشريد وتعثر المشروع، وعدم بلوغه غاياته ما تعلم.

    - يعتقد البعض أن الحركات الإسلامية لم تزد على أن جلبت العادات القبلية والقيم البدوية والصراعات الجهوية للحقل الإسلامي وألبستها لبوسا الدين والمبادئ هل هذا صحيح ؟

ج-الحركات السياسية والفكرية بنت بيئاتها، وكما تتفاوت البيئات الإسلامية في إيجابياتها وسلبياتها تتفاوت الحركات، و"لون الماء لون الإناء"، كما قال الجنيد بن محمد -رضي الله عنه-، وإذا أنت حللتها وجدت فيها ألوان البيئة التي نبتت فيها وظلالها ظاهرة، لا خفاء بها، وإنما يقوى على التخلص من بعض ذلك الناقد الأواب، والبصير الأريب، والرباني الذي اقتاد نفسه بزمام الشرع.

    - ألا ترون أن الحركات الإسلامية لما تصدت للسياسة اختلطت أوراقها وأن أداءها في مجال الدعوة كان أفضل قبل أن تتجه صوب السياسة ؟

ج- بلى، دخلت الحركات السياسة قبل أن تطَّرح ثقافة التنظيم والعمل السري؛ وهي ثقافة لا تستقيم عليها سياسة.

    - بعض الحركات الإسلامية وصل إلى السلطة عبر انقلابات عسكرية لكنه لم يقدم شيئا مما وعد به المجتمع وظل يمسك بالسلطة عشرات السنين رغم التدهور الحاصل في كل الأصعدة ، ألا يحدّ ذلك من مصداقية العمل الإسلامي في المجال السياسي على الأقل ؟

ج- بلى، لقد حدَّ منها، كما حد منها الغموض والخداع، وما تعلم من ثقافة التنظيمات السرية. والحركة التي تشير إليها جعلت الحكم إلى العسكر، وأخرجت منه من هو أهل له، والعسكر إنما أعد لغايات أخرى، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظروا الساعة". أما أنها مع كل ما كان ما زالت تتمسك بالحكم، فذلك من مقتضيات ثقافة التنظيم التي ذكرت آنفا أنها تغرس في المنتمين إليه أنهم خير الأمة للأمة، وأولاها بها، وأن حكمها -في أسوأ الأحوال- أخف الضررين، وخير الشرين. هذا إلى أمر آخر، هو أن بعض الحركات يرى أن له في رقاب الأمة دينا، لا يقضيه إلا أن تمكِّنه من الحكم وتطيعه فيما يقضي فيها؛ لأن له من النضال والبلاء في ذات الله ما ليس لأحد منها، وما جزاء ذلك إلا التسليم له في كل ما يرى. ومن كان هذا رأيه في نفسه هل يمكن أن يرضى بتداول الحكم؟!.

    - بعض الحركات التي وصلت إلى السلطة في تركيا وبعض دول المغرب العربي خلعت جلبابها الإسلامي وأصبحت تسمي نفسها علنا بأنها أحزاب مدنية ألا ترون أنها تفقد شرعيتها بذلك ؟أليس ذلك تنصلا من التزاماتها التي تعهدت بها أمام مناضليها وأمام الشعوب منذ أن ظهرت للوجود ؟ أليست تلك الأحزاب تحدث بذلك التصرف الفرْق ( التمايز ) بينها وبين بقية الأحزاب الأخرى إلا إذا ستثنينا الوصف الذي يطلقه الإعلام عليها حين يصفها بالأحزاب ذات الخلفية الإسلامية وكأن الأحزاب الأخرى ليست صادرة عن هذه الخلفية ؟

ج- تمييز الديني من المدني تمييز غربي؛ لأن مفهوم الدين عند الغرب ليس هو مفهومه عند المسلمين، والحزب الإسلامي ما ينبغي أن يوصف بصفة أخرى غير الإسلامية، ومن نفى عنه الدينية إنما ينفيها تبيانا لمخالفة الدين عنده للدين في ثقافة الغرب، وليس في ذلك تنصل من التزام، ولا ما يفقد الشرعية. والعبرة ببرنامج الحزب وعمله، وليس بالتسمية التي يتسمى بها، فإن بعض هذه التسميات من متطلبات الترخيص، والقبول عند الخارج المسيطر على الداخل. وإن كنت أفضل عدم إدخال كلمة الإسلام في أسماء الأحزاب، وأن تكون التسميات دالة على برنامج الحزب السياسي، تنكبا لتزكية النفس، ولأن الأصل في أحزاب أعضاؤها مسلمون أن تكون إسلامية كلها، وليس بينها من خلاف إلا في البرامج.

    - ما هو مصير العمل الإسلامي المعاصر الذي انشطر بين حركات إرهابية تدمر الأخضر واليابس وحركات أصبحت تنزع نحو ما تسميه بالمدينة وتفر من هذا المصطلح ؟وهل هذه الأحزاب الأخيرة تمارس التقية أم ترون أنها صادقة وأنها قد غيرت فعلا من مناهجها وأهدافها في الواقع ؟

ج- العمل الإسلامي لم يتوقف، ولن يتوقف، وليس شرطا أن يكون تحت عنوان سياسي أو حركي، فالدعوة إلى الله، ونشر الإسلام، وتعليمه، والأعمال الخيرية، والتمكين للشريعة في مجالات الحياة، إلخ، هذه ماضية، وكذلك كانت قبل ظهور أول حركة من الحركات الإسلامية، بل كانت في العالم الإسلامي حركات سياسية، تولى بعضها الحكم، وحيل بين بعضها وما كان يؤمل، كحركة الإمام شامل في القوقاز، والحركة المهدية في السودان، والسنوسية في ليبية وما حولها، وحركة الإمام عبد القادر الجزائري، إلخ. أما الحركات الإسلامية بالمفهوم الذي تعلم، فأظن أنها توشك أن تنتهي من حيث هي جماعات، تعوِّل عليها شرائح كبيرة من المجتمع في استعادة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وإن بقيت من حيث هي تنظيمات سرية ذات واجهات سياسية، أو من حيث هي أحزاب سياسية، ليس لها من الشعبية إلا ما لغيرها من الأحزاب القومية واليسارية والليبرالية. وليس مرد ذلك إلا ردة الشعوب عن المشروع الإسلامي، وإنما لأنها لم تر من الحركات الإسلامية إلا ما رأت من الليبراليين واليساريين والقوميين لما حكموا.

أشكركم فضيلة الدكتور جزيل الشكر مرة أخرى على قبول الدعوة وعلى رحابة صدركم واستعدادكم الجميل للرد على أسئلتنا متمنين لكم موفور الصحة والعافية .

ودمتم في رعاية الله ،،،

                                                          حوار : يحيى البيضاوي 

المصدر : شبكة الرواد الثقافية

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Hostgator Discount Code تعريب بلوغر ـ تطوير وتنسيق : يحيى البيضاوي