إ الحوار الوطني .. وسيناريوهاته المحتملة !! ~ يراع ـ البيضاوي

الخميس، 12 فبراير 2015

الحوار الوطني .. وسيناريوهاته المحتملة !!

تسود هذه الأيام موجة من الشعور الوطني العارم تجاه ما تروّج له وسائلُ الإعلام من اقتراب جلوس الأطراف السياسية في موريتانيا حول طاولة الحوار بغية  تجاوز مربعات التوتر والتأزم التي عرفتها البلاد مؤخرا . ولا جدال إطلاقا حول خيرية هذا المسعى ونبل مقاصده ، ولا جدال  كذلك في مبرراته وحاجة ساحتنا الوطنية إليه ؛

خصوصا وأن الأوضاع الإقليمية والدولية من حولنا تستدعي من الجميع تشابك الأيدي وتضافر السواعد للوقوف بجدّ وحزم أمام تلك التحديات الهائلة التي انحنت أمامها مجتمعاتٌ وتزعزعت بفعل تأثيرها أوطانٌ كان لها من الإمكان المادي والحضاري ما ليس لنا .  إضافة إلى أن انسجام المكونات السياسية أمر معين على التفرغ للتنمية ومتابعة متطلباتها على كافة الأصعدة  .
ومع أن البلد قد مر بحوارات عدة سابقة إلا أنها لم تستطع أن تعيد العربة لسكتها ، وكان كل طرف يحيل باللائمة إلى الآخر ، ولا شك أن الوضع الداخلي على الأقل تأثر تأثرا بليغا بسبب استمرار ذلك الشدّ والجذب بين المعارضة والسلطة حيث غابت هيبة الدولة وساد منطق الفردية والطائفية والعرقية وباتت كل الجهود التي بذلت في سبيل تأسيس الدولة، منذ ما يزيد على نصف قرن من الزمان في مهب الريح .
ولقد نتج عن تلك الحالة ضجر وملل القواعد الشعبية بشكل عام،  وتبرّمها من وضع لا تبدو نهاياته قريبة ، حتى لو انتهت مأمورية النظام الحالي حيث استمرأ الكل الثباتَ في مواقفه تُجاه الآخر والتمسكَ بمطالبه التي هي في غالبها مطالب تعجيزية لا تمثل جزءا من الحل – على الأقل - إن لم تكن جزءا من المشكل في كثير من بنودها .
وقبل أن ندخل في تفصيل السيناريوهات التي من المحتمل أن يمر بها الحوار المرتقب نود أن نقدم نبذة يسيرة عن مؤسسة المعارضة التي ظلت تتمسك بالطرف الآخر للحبل في إطار تلك اللعبة المقيتة التي شكلت أهم العوائق أمام تنمية البلاد ومصالح الحاضر والبادي .
 فإذا كان النظام قد استطاع أن يشكل فريقا مكونا من أطياف سياسية شتى ظل يطبعها الانسجام والتناسق ابتداء من المأمورية الأولى وحتى وقتنا الراهن، فإن المعارضة على العكس من ذلك، عاجزة عن بلوغ ذلك المستوى من الانسجام الداخلي، وتعيش أزمة ثقة لم تزل تكبر وتنمو بين مكوناتها . ويمكن أن نصنف المعارضة إلى  ثلاثة أقسام : قسم نسميه بالمعارضة المراهقة، والثاني بالمعارضة الراشدة، والثالث بالمعارضة الخرفة  ؛ فعلى القسم الأول تتربع الحركة الإسلامية ،ولكي لا نقول " تواصل "حتى لا نظلم بعض الأشخاص المنتمين إليه ممن لا يدركون مدى قبضة أشخاص الحركة على الحزب وإدارته  من داخل الخلايا الحركية  عكس ما هو معلن لأولئك المساكين ؛ إذ هو مجرد واجهة لحركة سياسية تديرها مشيخات لا تؤمن أصلا بالديمقراطية وترى أنها تدور بين الفسق القبيح والكفر الصريح ، وما يرفعونه من شعارات مجرد تكتيك يتوسلون به إلى غاياتهم الأساسية المتمثلة في الوصول إلى الحكم.  وغالبيتهم لا تقدر الأمور كما ينبغي إذ يعيشون واقعهم بعقول القرون  السحيقة، والحقيقة أنهم  أكثر ميلا من حيث الشعور والانسجام الفكري لتلك الحركات التي ترفع شعار السيف والسكين لحز الرقاب وقطع الرؤوس  إن استطاعوا  إلى ذلك سبيلا.  وتلك المشيخات هي التي سال لعابها أيام ما كان يعرف بثورات الربيع العربي حيث نزلت للشارع رافعةً شعار الرحيل مع أن مواقفها ظلت متذبذبة تارة تكون إلى النظام أقرب وأخرى تنسق مع الطيف المعارض ضد النظام ثم تنقلب عليه إن رأت في ذلك بعض المآرب  .
أما المعارضة الراشدة فهي الأقل حظا على المستوى الشعبي رغم رزانة قادتها وخبرتهم التاريخية وحكمتهم الكبيرة التي جعلتهم يتصرفون وفق منطق العقل والمصلحة العليا للبلد بعيدا عن لغة المهاترات ومفردات التخريب والفوضى ، وعلى رأس ذلك الطيف الأستاذ مسعود ولد بلخير والدكتور محمد ولد مولود ، ولقد لخص مسعود ولد بلخير موقف ذلك الطيف يوم  أن كان الشارع يغلي أثناء غياب الرئيس للعلاج في فرنسا قائلا : "إنني لا أحب عزيز ولكن مقتي  لعزيز لا يجعلني أدمّر موريتانيا " .
أما المعارضة الخرفة فهي التي يقودها حزب التكتل ولقد اتسمت مواقفها بالتذبذب والترحال الدائم ، مع أنها ظلت تمتلك زعامة المعارضة إلى وقت قريب ، مما يؤكد أنها تحتفظ بشعبية معتبرة ، ولا شك أن مواقف قادتها أخيرا لن تكون في صالح رصيدها الجماهيري ، ومع أن المعارضة الخرفة هي التي شرّعت لحركة تصحيح ( 2008م )  وباركت إزاحة ولد الشيخ عبد الله نظرا لتضافر جهودها بوصفها زعيمة المعارضة – آنذاك -  مع جهود الموالاة التي جاء التغيير من رحمها ، إلا أنها قلبت ظهر المجنّ ويمّمت شطر المعارضة الرافضة للنظام بعد أن شاركت في الانتخابات  التي تمخضت عن اتفاق دكار وجاءت مجددا بالرئيس محمد ولد عبد العزيز  .
ويعتبر المراقبون أن القوة الجماهيرية للمعارضة الخرفة لم تجد الاستغلال الأمثل والإدارة الأوْعَى ؛ حيث ظل قادتها  يتبنون  مواقف تملى عليهم من طرف المعارضة المراهقة والمتعطشة إلى السلطة ومشتقاتها كما مر، هذا بالإضافة إلى أن هذه المعارضة تتحكم فيها المعارضة المراهقة عن طريق بعض قياداتها الذين ينتمون سرا إلى الحركة الإسلامية، فهم يوجهونها حسب مصلحة الحركة أكثر مما يوجهونها حسب مصلحة الحزب نفسه. والعارفون بالحركة يعرفون ما تكنّ من العداوة لشخص زعيم حزب التكتل لأسباب قد يكون جزء منها شخصيا ، ومن تلك المواقف التي أبانت عن تحكم المعارضة المراهقة في أختها الخرفة  - على سبيل المثال لا الحصر - نزولهم إلى الشارع رافعين شعار التغيير لحكومة باركوا مبتدأها وشاركوا في انتخاباتها واعترفوا بنزاهتها ولما تستكمل مأموريتها الدستورية الأولى ، كما أن عزوفهم عن المشاركة في الانتخابات الأخيرة كان من تدبير المعارضة المراهقة لتحييد التكتل وبعض القوى الحزبية الأخرى أثناء ذلك الاستحقاق ، وقد بينت بعض تلك الألاعيب في مقال سابق .
ولولا حنكة  الطيف السياسي الراشد لانجرت البلاد إلى أتون من الفوضى والصراعات المدمرة بفعل تعطش الحركة الإسلامية إلى التغيير ولو بالعنف ودوران التكتل في فلكها بشكل مبتذل وغير مدروس  كذلك .
ترى ما هي السيناريوهات المقبلة للحوار القادم ؟
أعتقد أن الحوار القادم سيمر بأحد سيناريوهين اثنين يدور كل منهما حول المواقف المحتملة للتكتل من ذلك الحوار المرتقب؛ الأول منهما أن تظل المعارضة المراهقة تقرأ في آذان الخرفة بغية تنسيق ما تسميه بالمواقف  بينهما لتحضها على ضرورة التمسك بمطالب لا علاقة لها بمساعي الحوار أصلا كأن تطالب بالشراكة في الحكومة مثلا وهو أمر يعتقد عزيز انه قد يُدخِله في مأزق يمكن أن تقوم المعارضة بتدبيره على حساب حكومته ، كأن يستقيل أعضاء الحكومة الممثلين للمعارضة دفعةَ واحدة ، أو يقوموا بحركات احتجاجية أخرى ...  وكل ذلك لو تم أيّ منه لقدم للعالم الخارجي صورةً سيئة عن حكومته تجعل النظام كله في عنتٍ وحرج شديد، ولهذا لن يقبل عزيز بتلك المشاركة .
والحقيقة أن الحوار ينبغي أن يتم بدون شروط مسبقة إذ الهدف ليس الحوار في ذاته ، وإنما ما يترتب عليه من مخرجات تصب في مصلحة البلاد والعباد بعيدا عن تلك المحاصصة التي لا تقدم ولا تؤخر . وإذا سارت الأمور عبر هذا السيناريو فسيتبخر الحوار وتحتفظ المعارضة المراهقة بمكاسبها التي حققتها على حساب التنسيق مع شقيقاتها الأخريات ، وهذا ما ستحرص عليه المعارضة المراهقة، وستركز كلَّ جهودها من أجله . وحينئذ لن يبرح الوطن مواقعه المتأزمة  وسيظل تحت الجذب  والشدّ بين الأقطاب المتنازعة.
السيناريو الثاني أن يتعَقّل التكتل وينضم لنظرائه في المعارضة الراشدة وتتدانى الأطراف لحوار خال من الشروط تتمخض عنه انتخابات مبكرة على مستوى النواب والبلديات ، ولن تدخل الرئاسيات - على الأرجح - ضمن ذلك الاستحقاق حيث سيشكل ذلك خرقا سافرا للدستور لا يرضى به أحد من الأطراف ، وقد تأتي نتائج ذلك الاستحقاق بما لا تشتهيه السفن حيث لن يحتفظ تواصل بمكتسباته  الحالية  في زعامة المعارضة ، وقد يخسرها التكتل كذلك ، و ستكون المفاجأة كبيرة لو انتقلت زعامة المعارضة إلى أحد الأطراف من غير تواصل أو التكتل إنصافا للأول وتأديبا للثاني ، وحينئذ قد تستعيد  الساحة الوطنية بعض عافيتها إلى حين استحقاق جديد آخر، وفي انتظاره سيردد الجميع المثل الحساني: " ساعة في الخير أخير " .
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ،،،

1 التعليقات:

محمد يقول...

يرى البيضاوي ان رزصة إذا طاحت على موريتانيا بيها الالسلمييين ودائما نجدوه يقارن بين الاسلاميين في موريتانيا وبعض الدول العربية ونحن نقول لهو اترى بلاد ال مارات اخر

إرسال تعليق

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Hostgator Discount Code تعريب بلوغر ـ تطوير وتنسيق : يحيى البيضاوي