إ غدا : من يستحق أصوات الناخبين ؟ ~ يراع ـ البيضاوي

الجمعة، 22 نوفمبر 2013

غدا : من يستحق أصوات الناخبين ؟


تنطلق صبيحة غدٍ يوم السبت الموافق 23/11 الجولة الأولى للاستحقاقات النيابية والبلدية ، وهي جولة في غاية الأهمية خصوصا وأنها تأتي بعد مرحلة حرجة عرفت البلاد فيها تحديات جسام كادت أن تعصف بالوطن، وتهدّ أركان الدولة، وتتجاوز المسار الديمقراطي برمته ، ابتداء بمحاولات القاعدة جَرّ بلادنا إلى شفير حرب مفتوحة لا تبقي و لا تذر، مرورا بمواقف بعض القوى الديمقراطية الوطنية التي أرادت أن تطوي المسافات وتعجل بسقوط النظام ، علها تنال موطئ قدم كانت قد أبطأت بها جهودُها عن إدراكه في الانتخابات الماضية، مستغلة الأحداث التي مرت بها المنطقة وبعض دول المشرق العربي والتي باتت تعرف بالربيع العربي ؛ حيث حشدت بعض القوى الفاعلة في المعارضة الوطنية إمكاناتها في الشارع وباتت تنادي بالرحيل وتستنسخ شعارات مفصلة حسب مقاسات تلك الشعوب التي نزلت في أوطانها إلى الشارع من أجل وضع حد لأنظمة طال عمرها في غير منفعة للبلاد أو العباد .
 يضاف إلى ذلك صحة الرئيس التي كادت ، هي الأخرى، أن تترك فراغا يصعب تمريره بسهولة من غير خسارة تذكر . 
وبعد كل ذلك الغليان وما صاحبه من تفاعلات داخلية وخارجية تأتي هذه الانتخابات لتضفي تراكما من المفترض أن يحسب لصالح إرساء دولة القانون واستقرار مؤسساتها ، وهو أمر بات الجميع يدرك أهميته بعد أن لعبت أصابع الفتن بالأوطان من حولنا رغم إرثها الحضاري و رغم ما تعيشه من مميزات خدمية واقتصادية معتبرة . ويبقى السؤال المطروح : هل يدرك الناخب قيمة هذه الاستحقاقات و ما يترتب عليها من ترسيخ للقيم الديمقراطية وتثبيت لنهج التغيير المنضبط بالنظم و القوانين ؟ و ما هي المتطلبات التي تجعل الناخب شريكا ثابتا وليس ورقة آنية تنتهي يوم أن يدلي بصوته تحت تأثير الدعاية بأشكالها المختلفة ؟ وقبل ذلك كله هل شهدت الساحة موسما دعائيا يبشر بمرحلة جديدة من التدافع والتنظير لإدارة الشأن العام تختلف عن سابقاتها ؟ إن المتتبع لأجواء الدعاية الموسمية طيلة أيام الحملة المنصرمة سيخرج بانطباع أولي سريع لا يبشر بتغيير جذري يذكر لا على مستوى الخطاب الدعائي ونظرته النفسية والاجتماعية للناخب، ولا على مستوى البرامج التي كان من المفترض أن تنال الحظ الأكبر من الجهد لتخرج قريبة من طموح الناخب ولصيقة إلى حد ما بواقعه . فلم تكد الخطابات السياسية تخرج عن مستوى المألوف في العهود الماضية وإبان الحملات التي مرت بها البلاد في استحقاقات سابقة حيث كانت الخطابات الدعائية تستثير القيم التقليدية الدينية والثقافية ، و تعول على الإرث القبلي والجهوي أكثر مما تعول على وضوح عبارتها ووجاهة طرحها ، وكأن المنتخَبين لم تتبدل لديهم تلك النظرة للناخب الموريتاني الذي تستثيره العواطف وتستدرُّ المؤثراتُ التقليديةُ مواقِفَه ، وهو ما يعني أن الناخب لازال هو هو - على الأقل - في أعين ممثليه . ويبقى الخطاب الدعائي في أيامنا الماضية ، على مستوى العموم، فاقدا لرؤية التغيير، منشغلا بأوهام عامة أكثر مما هو منشغل بأهداف محددة يتم التخطيط لتحقيقها؛ إن غياب الرؤية و التعلق بأوهام طوباوية يدرك البسطاء من الناس عدم القدرة على تحقيقها في الزمن المحدد لهو دليل على أن الناخب لم ينتقل بعد إلى مرحلة الشراكة ، على مستوى ذهنية المنتخب على الأقل ، تلك الشراكة التي تفترض استصحاب الشريك حتى نهاية المسيرة المحددة وما يستتبع ذلك من قَابِلية مفترضة للمساءلة والمحاسبة إن دعت الضرورة إلى ذلك ، وهذا يعني أن الناخب لم يغير من فلسفته تجاه الناخبين باعتبارهم شركاء لا مجرد ورقات تستنفد مضامينها نهاية يوم الانتخاب لتحيل الناخب بشحمه ولحمه وإرثه الاجتماعي والحضاري إلى مجرد ورقة بين أكوام مكدسة من الورق في سِلال نفايات تنتظر الطريق للتخلص منها في أي لحظة. إن هذه الرؤية لن تتغير إلا مع تغير نظرة الناخب لنفسه وتطور مفاهيمه لمسؤولياته الديمقراطية واختياره بعناية فائقة لمنتخبيه ومدى قدرتهم على تحمل المسؤولية الأخلاقية والتاريخية ، دون أي اعتبار للقبيلة أو الجهة أو الحزب أو المنافع الآنية التي بات الحديث عنها علنا وبدون حياء أحيانا . انتهت الأيام الدعائية وطويت البرامج المقتضبة للمنتخبين وولت الجماهير أدراجها من حيث أتت للمهرجانات والمسيرات ، ولو قدر لأي من المرشحين الحاليين أن ينجح فإن نجاحه لن يعدو نجاح فرد في الوصول إلى غايات شخصية أو حزبية ضيقة، والخاسر الأكبر على كل المستويات هو الوطن الذي غابت قضاياه الكبرى وباتت مؤجلة إلى أجل غير معلوم ، دون أن تجد أي اهتمام من طرف الناخب أو المنتخب على حد سواء ؛ فلم نسمع برنامجا انتخابيا نظّر لمشروع حقيقي يعالج فيه الآليات الكفيلة بتحقيق الوحدة الوطنية والاندماج الكامل في كيان وطني موحد اندماجا حقيقيا يلغي التمايز النفسي والاجتماعي بين أفراد الوطن الواحد، ويجعل من المواطنة قيمة حضارية و أخلاقية ملموسة . ولم نسمع برنامجا يقدم رؤية لمشروع هوية يَطْمَئِنُّ إليه الموريتانيون رغم أن الهوية هي إحدى مسببات الأزمات المتتالية للبلد وساكنيه طيلة العقود الخمسة المنصرمة من تاريخ الدولة الحديثة ، ونفس الحديث يتكرر مع التعليم والتكوين والتخطيط لرفاهية المواطن .
 بقي أن نذكر أن محاولة التهرّب من طرف كل المؤسسات الحزبية واضحة بتغيير مرشحيها وتبديل الأوجه التي كانت مألوفة في ما مضى، وكأنهم يريدون منا أن نتناسى المأموريات السابقة التي لم تأت بأي شيء على كافة المستويات البلدية والبرلمانية عموما ، ولو وكل إلي من الأمر أبسطُه لرفضت اعتماد التصويت لأي حزب كان له حضور ومشاركة في مأموريات سابقة لعدم جدوائية منحه فرصة أخرى ستضيع هباءً؛ حتى يدرك أولئك الممثلون لجهات جديدة لم تكن قد مثلت من قبل أنه لم يعد في وسعهم التغرير بالناخب وتبديل الأوجه في انتخابات قادمة دون أن تحاسب الجهات التي أتت بهم على أداء ممثليها الصفري. 
 ولكن يبقى السؤال المعلق : هل سيختلف الجدد عن الأولى سلفوا أم أن من سار على خطى حزبه ما ظلم ؟؟؟ . 

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Hostgator Discount Code تعريب بلوغر ـ تطوير وتنسيق : يحيى البيضاوي