إ هل يحرج أوردوغان حكام العرب ؟ ~ يراع ـ البيضاوي

السبت، 30 يناير 2010

هل يحرج أوردوغان حكام العرب ؟

الزعيم التركي : رجب طيب أوردوغان
لم تعهد منطقة الشرق الأوسط منذ فترة خلت مواقف بمستوى القوة السياسية التي تعرفها الآن مع القيادة التركية ، فلقد تولى الخطاب الثوري في العالم العربي وانكمش على نفسه وكأنه أصبح ينشد السلامة، وقد رضي من الغنيمة بالإياب .
و لم يُعهد من الدولة " الوطنية " في العالم العربي غير التبعية والانحلال في المستعمر إرادة وواقعا وتصورا . إن حالة العالم العربي مزرية حقا إلى حد الغثيان ، ولقد جعلت تلك الحالة من القضية العربية المركزية قضية هامشية من اختصاص منظمة التحرير الفلسطيني التي تحولت هي الأخرى في عهدها الأخير- بعد غياب زعيمها الأول أبي عمار رحمه الله- إلى منظمة تجارية تسعى للكسب والاتجار أكثر مما تسعى للتحرير .
ولعله من نافلة القول أن القضية العربية لم تجد أضر عليها من النظام العربي نفسه حيث كانت لا تجد منه إلا الخذلان والتهميش، بل لقد ظلت الدول العربية المقتدرة والتي كان لها شأن مع تلك القضية، ذات يوم ، تضع تلك القضية في ميزان المصالح الشخصية ، فلا تزيح عنها الستار إلا يوم أن تقدمها للمزايدة ووفق منطق الأخذ والعطاء .
أما اليوم فقد استعادت قضية العرب المركزية ألقها وبريقها ومكانتها المعتبرة مع العهد الجديد لتركيا.. ترى إلى أي حد يمكن لتركيا أن تحقق للعرب مآربهم في فلسطين المغتصبة ؟ ومن أين لها القوة للدفاع عن مصالح العرب وقضاياهم الكبرى ؟ ولماذا يعجز النظام الرسمي عن ذلك ؟ وهل أصبح النظام التركي يمارس إحراجا حقيقيا للنظام العربي الرسمي ؟
لقد شكل النظام التركي نقلة نوعية في صناعة القرار وحماية الانجازات على المستوى الوطني أولا مما أكسبه ثقة الناخب التركي ، وعلى المستوى الإقليمي والدولي ثانية حيث خلق مجالا حيويا تتلاقى من خلاله جهود كثير من دول المنطقة وتتبادل من خلاله المشاعر والأحاسيس كما تتبادل السلع والمنتجات الاقتصادية .
لقد جاء حزب العدالة والتنمية مهندس السياسية التركية المعاصرة إلى ساحة الفعل السياسي الوطني في تركيا ، والواقع التركي منقسم على نفسه غاية الانقسام : هناك علمانيون وإسلاميون وقوميون و أقليات أخرى ضمن الفسيفساء العامة المشكلة للطيف السياسي لها مطالبها الخاصة وغاياتها المعتبرة . فهل استطاع توحيد تلك التناقضات ومحو تلك الألوان السياسية المتباينة ؟
لم يسع حزب العدالة إلى ذلك الحل الساذج لعلمه أن الواقع الوطني في تركيا لن يستطيع التخلي عن ذلك التنوع، وربما ليس من مصلحته ذلك ، ولكنه عمل على تجاوز ذلك الواقع ، فتعالى عليه لصالح تركيا فاستقطب الإسلامي والعلماني والقومي والكردي .. فصنع خلطة عجيبة تشعر من خلالها كل المكونات التركية بالتمثيل وترى فيها ذات المصلحة التي يراها فيها مهندسها الأول سيد رجب طيب اوردوغان نفسه ورفاقه .
ومن هنا استطاع الحزب أن يكسب المعركة لصالحه على مستوى صناديق الاختراع ، وكذلك على مستوى التنمية والبناء فأنجز إنجازات هائلة في الاقتصاد والتنمية وحماية المال العام جعلت التركي أيا كان مشربه الثقافي ومهما كانت خلفيته الايديولوجية يجد في حزب العدالة ضالته ،وينتهض مستجيبا لنداء الحزب كلما ضايقته القوى الرجعية التي ألفت النطاح والصراع لحساباتها الشخصية ولسان حال الناخب يلهث: لبيك .. لبيك .. يا منقذ تركيا !
هنا يختلف الحال والمآل طبعا عن الواقع الذي تعيشه أنظمة العالم العربي وأحزابها المختلفة ، فمعظم الأنظمة العربية لم تأت عبر الاختراع النزيه ، وكل الانتخابات فيها مزورة أو مشوهة في أحسن الأحوال ، بل لقد تعود الشارع العربي على أن تداس كرامته في كل انتخابات بالسجون والمنافي والتزوير واستخدام المال العام ضد مصالحه وللترويج لرغبات الحكام في الاستمرار والبقاء فترة اكبر في السلطة ،ولم يعد الشعب العربي يُلجأ إليه في أي شيء بل لقد حلت أمريكا وإسرائيل محل الشعوب العربية فأصبح رضاهما مطلبا عزيزا يسعى إليه كل حاكم على حساب شعبه ، ويكفي أن نتذكر أن إسرائيل أصبحت تشترط علنا موافقتها على الخلافة المنتظرة في كبريات الدول العربية ، بمعنى أنها سترفض أي خليفة للزعيم المعني إذا لم يستجب لمصالحها ويرضخ لمطالبها ، وأصبحت إسرائيل تقول ذلك علنا عبر وسائل الإعلام دون أن يتجرأ أي أحد من زبانية النظام المعني ليرد على تلك التصريحات الخطيرة .
وليست الأحزاب في عالمنا العربي سوى صورة مصغرة من واقع النظم ؛ فهي في الغالب أحزاب شخصية أو أيديولوجية إقصائية تسعى لفرض رؤيتها على الواقع وسحق الآخر تحت أقدامها ، فلا يهما مصلحة الوطن ولا يهمها التعاون مع الأحزاب الأخرى لخدمته لأن كل حزب أو جهة ترى في تعاطيها الإيجابي مع الجهة الأخرى ذوبانا لها وانحلالا لأهدافها الأحادية والشخصية ، لهذا يندر التعاون والتكامل في الأوساط الحزبية ويشيع التنافر والتناحر .
وهكذا نجد أنه ليس في وسع النظام العربي أن يقف أمام مشاريع سيده في البيت الأبيض مهما كانت تلك المشاريع ، وهو يعلم علم اليقين أن كرسيه لا يقف على شرعية معتبرة فالناخب لم يصوت له والواقع الاقتصادي متردي لا يشهد إلا عليه ، وسمعة البلد ومصلحته العامة قد أوكلها إلى الراعي الرسمي في البيت الأبيض، فهل نتوقع منه أن يساند قضايا الأمة الكبرى ؟ وبأي ورقة سيلعب لمصلحة تلك القضايا ؟
ولهذا نجد بعض الأنظمة العربية يهرول لمضايقة غزة وتنفيذ رؤية الغرب في محاصرة المليون ونصف المليون فلسطيني بهمجية مفرطة واضعا ذلك العدد المعتبر من الفلسطينيين في سجن حقيقي لا ماء فيه ولا مرعى ، بل لقد كان ذلك النظام سباقا لمضايقة الفلسطينين في غزة أكثر من الغرب نفسه ، ولم يعلق أحد في النظام الرسمي العربي على ذلك .
لقد ظهر النظام التركي في صورة من التحدي لو امتلك النظام الرسمي بعضها لكانت القضية الفلسطينة قد وجدت حلا مقبولا يجتمع حوله الفرقاء منذ زمن ، إن مواقف طيب أوردغان كانت كالصاعقة بالنسبة للنظام العربي ، فلقد وقف مواقف معتبرة وبحدة غير مألوفة في مواطن متعددة منها مثلا ملتقى دايفوس ولم يسنجم النظام العربي لتطلعاته آنذاك ممثلا في الجامعته العربية ،ووقف بحدة مع غزة في العدوان الذي شنته إ سرائيل عليها ، وطالب بقوة بوقف الحرب وكان النظام الرسمي في كل مرة يطأطئ رأسه أمام تصريحاته القوية ويأتي من وراء ظهره ليدعم العدوان على أرض الواقع من تحت الطاولة ، واليوم جاءت قضية قافلة الحرية لتجهز على الأنظمة العربية ، وتحرجهم أكثر ، فهل من المقبول أن يحاصر النظام المصري الغزاويين ويضايقهم ، وتاتي تركيا على رغم البعد لتصلح ما أفسدته اليد العربية ؟ لقد تفاجأ العالم بالنظام المصري يوم المذبحة وهو يصرح على لسان وزير خارجيته أنّ مصر اتصلت بإسرائيل وحذرتها من المساس برعاياها الموجودين على ظهر السفن وهل تولي إسرائيل أي اعتبار لتحذير النظام المصري ..؟ ، ويبث الإعلام الدولي تصريحا لطيب ارودوغان يقول فيه إننا مسؤولون عن كل الموجودين على متن القافلة ، ويضيف قائلا إن إسرائيل تجاوزت حد اللياقة الأخلاقية والقانونية وتحدت المجتمع الدولي وقامت بعمل دنيء ولن تفلت من العقاب ، وهكذا تتواصل رسائل تركيا القوية كل واحدة أكبر من أختها والنظام العربي منبهر بقوة الخطاب التركي وقد شلت قدرته حتى على الكلام ويأتي أحمد اوغلوا ليقول لن نسمح لإسرائيل بأن تقدم أي احد من المتضامنين إلى العدالة وإن فعلت فسنحاكم المسؤولين في السلطة الإسرائيلية ، ويختم اليوم رئيس تركيا تلك اللكمات القوية الموجهة لتلابيب قائلا لن تعود العلاقات بين إسرائيل وتركيا كما كانت عليه ...
لقد أبهرت هذه الرسائل النظام العربي وجاءته على حين غرة ، ولكم تخيلت بعض القادة العرب يفتح ثغره ويضع يديه على أذنيه من قوة الرد التركي .. ولا أستطيع أيضا أن لا أتخيل في الوقت نفسه تلك الرسائل السرية التي ستنهال على البيت الأبيض من قادتنا - للأسف- تريد تأديب تركيا لأنها أحرجتهم ، ولأن الشعب العربي بات يعول على تركيا في قضاياه لا على قادته النفعيين الخانعين .
و لا شك أن دول محور غزة كان لبعضا وقفات في غاية الروعة كأمير دولة قطر الذي بادر بزيارة الأتراك ليعلن لهم وللعام أجمع وقوفه إلى جانبهم ، وتبعته في ذلك سوريا ، ويبقى الموقف العربي بشكل عام في غاية الضعف ودون المستوى وغير مرضي .فإلى متى سيظل الموقف العربي متخاذلا وضعيفا ؟ وإلى متى سيظل الحاكم العربي يأخذ شرعيته من البيت الأبيض وليس من شعبه وإنجازاته ؟.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Hostgator Discount Code تعريب بلوغر ـ تطوير وتنسيق : يحيى البيضاوي