إ من وحي المناسبة : " حج الكزرات " ـ بقلم د. محمد المصطفى مايابى ~ نبيض اليراع

الثلاثاء، 30 أغسطس 2016

من وحي المناسبة : " حج الكزرات " ـ بقلم د. محمد المصطفى مايابى

د. محمد المصطفى مايابى

في أواخر عِقد السبعينات من القرن الماضي - وعلى إثر الجفاف الذي ضرب البلاد مع بداية العِقد- نَزَح إلى العاصمة" نواكشوط"نتيجة ذلك كثير من سكان القرى والأرياف الداخلية الذين كانت حياتهم قائمة على التنمية والزراعة التقليدية ؛ وبدأ ظهور الأحياء العشوائية في ضواحي العاصمة متمثِّلة فيما عُرف " بالكبَات " ( كبة مندز - كبة المعرض... وغيرهما ) وهي أحياء مكتظة غالبية بيوتها من الصفيح (الزنك)كماأنها خلت - في معظمها-
من الشوارع المعبّدة ومن توافر الخدمات الحضرية الضرورية كالماء والكهرباء والهاتف...
وفي منتصف عِقد الثمانينات وما بعده زادت الهجرة بشكل ملحوظ ؛ وشهد الأمر توسّعاً وانتشاراً في مختلف جهات العاصمة من خلال ما عُرف بظاهرة " الكًزرة " التي تعني الاستيلاء على القطع الأرضية دون ترخيص من الجهات الرسمية وقد تفشّت هذه الظاهرة في معظم ضواحي المدينة ؛ بحيث نشأت عنها أحياء كاملة حملت أسماء مختلفة من قبيل ( تل الزعتر ؛ وبوحديدة ؛ وكرفور ؛ وعرفات ولمزيلكًه ... )
وعندما أرادت السلطات المختصة متمثلة في الإدارة المحلية وضع حدِّ للظاهرة وتنظيم الشأن العقاري بواسطة قرارات إدارية تمنع أي بناء غير مرخص؛ وأصدرت أوامر" للحكّام " وأعوانهم من "حرس ودرك " بهدم أي بناء لا يلتزم بتلك المقررات وجدت نفسها تصطدم بالعديد من الحِيل والأساليب الملتوية التي يتبعها هؤلاء المواطنون " الكَازرون " خصوصاً وأنها لا تخلو من طرافة وغرابة في بعض الأحيان ونظراً لتطاول عهود الظاهرة وتعدد أنواعها وأساليبها في مختلف مقاطعات العاصمة ؛ فقد ألقت بظلالها على الساحة الاجتماعية والأدبية ؛ وتعرض لها العديد من الشعراء والأدباء في أدبهم الفصيح والملحون ؛ كما حرص البعض منهم على تخليد مشاهد الكرّ والفرّ التي تحدث عادة بين السلطات وأصحاب " الكَزرات" ؛ خاصة عندما يتعلق الأمر بهدم بناء المواطن " الكَازر " أو ترحيله منه ؛ وهو مشهد ما يزال يتكرر حتى يومنا هذا ؛ رغم إعلان الدولة قبل سنتين أو ثلاث نجاحها في القضاء على الظاهرة بشكل رسمي وحسم كافة آثارها بشكل نهائي كما أن طرافة بعض تلك الحِيل والأساليب التي يتبعها المواطنون في مراوغتهم للسلطات؛ شكّلت هي الأخرى حافزاً لدى بعض الأدباء في التطرق للظاهرة وتناولها في أدبهم بشكل أو بآخر وفي هذا السياق - ومن وحي مناسبة الحج الذي يُطل علينا موسمه المبارك هذه الأيام - رغبت في كتابة هذه " التدوينة " حول قصيدة الأديب اللوذعي محمد الأمين بن بيدر بن الإمام – رحمه الله - التي صوّر فيها بعض حِيل وأساليب "أهل الكَزرة" مُورِّياً بألفاظ الحج ومصطلحاته لتوافقها مع بعض تلك المسميات؛ كما تطرق إلى بعض مصطلحات تلك المرحلة ورموزها من مؤسسات مثل " دومين " (الشركة العقارية المختصة بالترخيص ) وأشخاص مثل "جبريل" الذي يقصد به وزير الداخلية في تلك الفترة المسمى جبريل ولد عبد الله ؛ فضلاً عما ألمح إليه في القصيدة من تبرُّم بالمحسوبية والفساد الإداري وتنديد ببعض مظاهر الانحراف الأخلاقي اللذين صاحبا الظاهرة في تلك الفترة يقول ابن الإمام :

إذا ما أفاض الناس من (عَرَفـــات)  *** رمــــــوا بجمار (مُلتقى الطُّرُقـــات)
وقد نحروا في (ذي الحديدة ) بُدنَهم  *** وفـــي (توجنين) استقبلوا الدعــوات
رموا بين حيِّ (التلِّ واللِّص) سبعة   *** وصــــلّوا لدى (لِمزيلِقَه) الركَعَـــات
فلما قضوا بالحج منها مناســـــــكاً   *** وسـاروا إلى الأموات بالعَرَصـــات
إلى أهلهم آبوا ضُحىً وتفرقــــــــوا  *** وكانوا من (الأولى) إلى (السَّبَخـَات)
ونادى لسانُ الحال منهم مُفاخِـــــراً  *** لأهل البوادي الساكني الفلــــــــوات
(بطاقاتُ تعريف) الأوالي (وأُسرَةُُ)  *** تغمّــــــــدها الرحمنُ بالرحَمـَــــــات
بها نلتُ (إسعافي) سنين وها أنــــا  *** أتاجــــرُ (بالأرقام) أرضَ مــــــوات
فلا تحسبنّ الهالكين وإن مضـــــوا  *** هوالكَ ؛ بل أحيــــــاء (بالــــورقات)
بِهم أهلُهم نالوا الغِنى بعد موتِـــــهم  *** وإن عــــجزوا أحيا عــن النفقـــات
فلا تبكِ ميتاً خلّف (الرقم) وابكـِــــه  *** إذا مـــات دون (الرقم) بالعَــبــَرات
أخا البدو لا تطمع بملكك أرضــــنا  *** فمثلُك فيــــــنا حلقـــــة بفـــــــــــلاة
فمنَّا رئيسُ القوم ؛ منا وزيـــــــرُهم  *** وواليــه والمنـــــــدوبُ للطبَعــــــات
و(حكّامُ) قسم الأرض منا ومثلُـــــهم  *** (دُمينُ) ومنَّا أكثــــــــــــرُ السلُطات
بلاد بها (جبريلُ) ينزل ُدائمــــــــــــاً  *** ومــــــــا عنــــده يلقيه من كلمــات
فيأمرٌ بالطاعات كل مواطـــــــــــــن  *** وينــهى عن الفحشـــاء والحٌرُمات
فيمتثلون الأمرَ والنهيَ يومـَــــــــــــه  *** ويعصونه بالليـــل في الظلُمـــــات
فيسلمُ منهم من أطاع ومن عصـــــى  *** لــــه (الدّركُ) المعهــــــودُ للنقَمات
إذا صادفوا شيخاً كبيراً يقل لهـــــــم  *** أولاء بناتـي هن أو أخـــــــواتــي
فيعفو عن الذنب القديم "حليــــــــمُهم"*** ومن عاد "سـاووه مـع التّرَبـــات"
إذا سائق ألفى فتاة بشـــــــــــــــارع  *** يشير إلى تلك الفتـاة فتــــــــــاتي
شباب الخنا لم تخش باب مــــــــــذلة *** وتاتي تعـاني شائخـــاتُ (وتــات)
أيا جاهل (الكَزراتِ) دونك فاتــــــــي *** أنبئك عن أخبار ذي (الكَــزرات)
تقوم فتاة وحدها نحــوَ ربـــــــــــــــوة *** وتغــرسُ في حافاتها شجَــــرات
وتبني من الألواح بيتاً مصـــــــــــغّراً *** وتتـرك مصباحاً به و (سـِـداتـي)
فتاتي إلى تلك البيوت لهدمـــــــــــــها *** (بليسُُ) وأعظم (بالبليس) بغــــاة
وتاتي إلى تلك الربى كل ليلـــــــــــــة*** (وتاتُُ) من الفتيـان والفتيــــــات

وتجدر الإشارة إلى أن صاحب هذه القصيدة محمد الأمين بن بيدر بن الإمام الجكني كان عالماً وشاعراً وأديباً ؛ عُرف بسرعة البديهة والنجابة وقوة الحافظة ؛ بيد أن معظم شعره اقتصر على الفكاهة والطرافة والإخوانيات ؛ توفي سنة 1993م ؛ رحمه الله رحمة واسعة.


المصدر : صفحة الدكتور محمد المصطفى مايابى

1 التعليقات:

غير معرف يقول...

جميل بارك الله فيكم فضيلة الدكتور

إرسال تعليق

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Hostgator Discount Code تعريب بلوغر ـ تطوير وتنسيق : يحيى البيضاوي